رسائل الحب .. الأشعار الغنائية .. الرسائل الحزينة .. قصيدة بلقيسعرض ـ حسام محمود:نزار قباني .. دبلوماسي وشاعر سوري، قدم العديد من الدواوين الشعرية التى صورت صراعات الحب والعشق بجانب الطابع السياسى لأعماله الرائعة. وركز على خياله الخصب وربطه بالواقع فى أشعاره وكتاباته الأدبية. تناولت كثير من قصائده قضية حرية المرأة، إذ تضمنت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. ثم تحول نحو الشعر السياسي بعد حرب 1967 التى شهدت نكسة مؤلمة للعرب، حيث أصدر عدة قصائد لاذعة ضد الأنظمة العربية منها (هوامش على دفاتر النكسة) ، و(عنترة)، و(يوميات سياف عربي) . وقد حرص عديد من الشعراء على السير بدرب نزار كمنهجية نافذة للأدب العربى المتطور، فيما برع كثير من الفنانين فى تصوير أشعاره كملاحم غنائية مستقلة أو خلال أعمال تمثيلية جذبت الملايين لسماعها، وتناولها النقاد والباحثون لخصوبة أطروحاتها الثرية وعذوبة أشعارها .موهبة شعريةولد نزار في أسرة دمشقية عريقة، إذ يعد جده أبو خليل القباني رائد المسرح العربي، درس نزار الحقوق في الجامعة السورية وفور تخرجه منها انخرط في السلك الدبلوماسي متنقلا بين عواصم مختلفة حتى قدم استقالته. وأصدر أول دواوينه عام 1944 بعنوان (قالت لي السمراء) وتابع التأليف والنشر حيث أفرزت موهبته خلال نصف قرن 35 ديوانا أبرزها (طفولة نهد) و(الرسم بالكلمات) ، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم منشورات نزار قباني. وكان لدمشق وبيروت مكانة خاصة في أشعاره، حيث انعكس هذا على أعماله التى برزت خلالها (القصيدة الدمشقية ) و( يا ست الدنيا يا بيروت) . وأحدثت نكسة حرب 1967 مفارقة حاسمة في تجربته الأدبية والشعرية، إذ أخرجته من نمطه التقليدى بوصفه شاعر الحب والمرأة ليدخل معترك السياسة بصراعات نقدية ضد السلطات العربية آنذاك، وقد أثارت قصيدته (هوامش على دفتر النكسة) عاصفة في المنطقة العربية وصلت إلى حد منع نشر أشعاره في وسائل الإعلام. وعرف قباني مآسي عديدة في حياته منها: مقتل زوجته بلقيس خلال تفجير انتحارى في بيروت وصولا إلى وفاة ابنه توفيق الذي رثاه في قصيدته (الأمير الخرافي توفيق قباني). وقد عاش السنوات الأخيرة من حياته في لندن يكتب الشعر السياسي، ومن قصائده الأخيرة (متى يعلنون وفاة العرب) . وذكر أن سر حبه للجمال والألوان خاصة الأخضر كون تربيته كانت في منزلهم الدمشقي، حيث كان لديهم أغلب أصناف الزروع الشامية، وكانت ضمن هواياته من الصغر التخطيط باللغة العربية حيث تتلمذ على يد خطاط يدوي محترف ثم اتجه للرسم الفني، وعشق الرسم حتى أن له ديوانا الرسم بالكلمات ليكون ملحمة يصف فيها الرسم الفنى بقلم الشاعر .تجارب ثريةشغف قبانى بالموسيقى وتعلم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود، لكن الدراسة خصوصا خلال المرحلة الثانوية جعلته يعتكف عنها، ثم رسى بالنهاية على الشعر والكتابة. كان يحفظ الأشعار لعمر بن أبي ربيعة وجميل بثينة وطرفة ابن العبد وقيس بن الملوح، متتلمذا على يد الشاعر خليل مردم بِك الذى علمه أصول النحو وفنون الصرف والبديع. ركز فى أعماله الأدبية على الصراع بين المرأة والمجتمع، وصاغ فلسفته العشقية حول مفهومه عن صراع المرأة لتحقيق ذاتها وأنوثتها. وعبر عن شهادته عن الحب في مذكراته الخاصة، إذ كتب: إن الحب في العالم العربي سجين يريد تحريره . وقام قبانى برحلات بحرية طويلة استوحى منها أبياته الشعرية متغزلا بالأمواج والأسماك التي تسبح فيها . وقد أثار ديوانه "قالت لي السمراء" جدلا واسعا في الأوساط التعليمية في الجامعات، وكتب له مقدمة الديوان منير العجلاني الذي أحب القصائد ووافق عليها . تعلق نزار بالقومية العربية وبكى على نكساتها وتطلع لقيامها من جديد نحو الانتصارات، وكان قلبه متعلقا بدمشق التى دفن فيها ووصفها بقوله عنها: إنها الرحم الذي علمني الشعر، الذي علمني الإبداع، والذي علمني أبجدية الياسمين .ملاحم الإبداعقال النقاد عن نزار أنه كان مدرسة شعرية متكاملة وحالة اجتماعية وظاهرة ثقافية فريدة، وأسماه حسين بن حمزة رئيس جمهورية الشعر العربى، كما لقبه أحد آباء القصيدة اليومية، إذ وصف بأنه قرب الشعر من عامة الناس. ووصفه الأديب المصري أحمد عبد المعطي حجازي بكونه شاعرا حقيقيا له لغته الخاصة إلى جانب كونه جريئا في لغته واختيار موضوعاته، لكنه انتقد هذه الجرأة التي وصلت في مراحله الأخيرة من قصائده لما يشبه السباب. وقال الشاعر علي منصور أن نزار قد حفر اسمه في الذاكرة الجماعية، وشكل حالة خاصة لدى الجمهور العربى حتى اعتبره النموذج الحديث لعمر بن أبي ربيعة. وعن شعره السياسي أشار حسين بن حمزة أنه أذاق العرب صنوفا من التقريظ جامعا بين جلد الذات وجلد الحكام في طريقة ناجعة للتنفيس عن الغضب والألم . وله أيضا دور بارز في تحديث مواضيع الشعر العربي، إذ ترأس طقوس الندب السياسي ولقاءات العشق. وكذلك لغته إذ كان نزار مع الحداثة الشعرية ، وكتب بلغة أقرب إلى الصحافة تصدم المتعود على المجازات الذهنية الكبرى. وقد ألقت حداثته الفطرية بموهبة نافذة بظلال كثيفة على كل من كتب الشعر لكون قصائد نزار سريعة الانتشار وتصل للقلوب . وأهم انجاز لنزار قباني كما قال الشاعر الفلسطيني (عز الدين المناصرة) هو أنه نقل موضوع الحب من الوصف الخارجي إلى موضوع خاص في الشعر العربي الحديث حيث لا يشبهه أحد، لكون تفرده بموهبة اللعب على أوتار القلوب والمشاعر جعلت أشعاره يتغنى بها الفنانون والفنانات والجماهير لعقود طويلة عبر ملاحم الذكريات.