بعنوان "الفكر الإصلاحي للمدارس الفكرية الإسلامية في العصر الحديث" افتتح في العاصمة الثقافية الروسية سانت بطرس بورج المؤتمر السادس حول الفكر الاباضي تحت عنوانه الدقيق "الفكر الاصلاحي للمدارس الفكرية الاسلامية في العصر الحديث" تحت رعاية معالي الشيخ عبدالله بن محمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية أمس الأول والذي يحتضنه معهد المخطوطات والدراسات الشرقية للأكاديمية الروسية للعلوم خلال الفترة من الحادي وحتى الثالث من يونيو الجاري، ويأتي اختيار معهد المخطوطات والدراسات الشرقية للأكاديمية الروسية لاحتضان هذا المؤتمر باعتباره احد المراكز المهمة في العالم الذي يحوي اعدادا كبيرة من المخطوطات الاباضية حيث يعود بعضها لأكثر من مائتي سنة ولا تزال موجودة بمبنى مكتبته العامرة، كما يقوم المعهد بإصدار الدراسات حول مخطوطات الحضارة الانسانية ويعكف جمع من المستشرقين والمفكرين فيه على قراءة حصيلة الفكر الانساني والتعرف على مكنونها والبحث عن آلية التعارف في اطار التوجه العام السائد بين مفكري وعلماء معاهد الدراسات الاستشراقية في انحاء المعمورة.وتحدث في المؤتمر فلاديمير ستيبانوفيتش ماسكنوف مستشار الاكاديمية الروسية للعلوم مشيدا بالحضارة الاسلامية واثرها على المجتمع الروسي معربا عن فرحته الغامرة لاستضافة هذا المؤتمر الذي يعرف الفكر الاباضي باعتباره فكرا رائدا لا يقف عند حد ويمتد عطاؤه العلمي فهو متواصل منذ القديم وإلى المستقبل باشراقاته التي تضيء للانسانية منهج التسامح ويعكس سلوك المجتمع العماني واستقراره السياسي وارتفاع مستوى المعيشة في عمان ولذلك كان عامل جذب للعلماء والمستشرقين وطلاب العلم لتكون محطتهم الاولى في الشرق الاوسط ومن خلاله يتعرفون على المجتمع العربي والاسلامي في محيط الامتداد الشرقي للحضارة.بعدها تحدث اللورد المطران امبرسيوس رئيس الاكاديمية اللاهوتية الارثوذكسية الروسية بمدينة سانت بطرسبرغ الذي اشاد بالاسلام والفكر العماني الممنهج للتسامح الديني كما دعا الى حسن التعايش بين اتباع الرسالتين الاسلامية والمسيحية من منطلقات الديانات الابراهيمية والقيم الاخلاقية التي يرعاها المسلمون والمسيحيون على السواء.واشار السير تأيرن بي. دارمايف رئيس التمثيل البوذي في سانت بطرسبرج الى الحرية الدينية التي يكفلها الانفتاح الفكري والسياسي العماني، كما نوه الى الدور العماني في ابراز صورة الاسلام الناصعة والنقية البعيدة عن العنف والداعية الى السلام الذي ينشده المجتمع الانساني.كما تحدث في المؤتمر الدكتور عبدالرحمن السالمي رئيس تحرير مجلة التسامح قائلا: ان المؤتمر يعقد ومدينة سانت بطرسبرج تحتفل بمقدم الليالي البيضاء التي يستبشر بها المجتمع الروسي كل معاني الخير والسلام معرجا الى تاريخ التعارف بين الحضارة العمانية والحضارة الروسية من خلال دراسات المستشرقين الروس للوثائق التاريخية لارشيف البحرية الروسية فيما دوّن عن عمان والخليج في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين والجهود التي بذلها الباحث الروسي روزن بجامعة سانت بطرسبرج لتنظيم المخطوطات الشرقية وفهرستها والالتقاء الحضاري المباشر من خلال كتابات المستشرق الروسي كرايمسكي في تاريخ الادب العربي وكذلك بارتولد الذي نبغ في دراسة الحضارة الاسلامية وما ترجم عنه من دراسات الى اللغة العربية قبل ثلاثة عقود.وأضاف: وفي ستينيات القرن العشرين الماضي تعرف المجتمع الثقافي العماني على كتابات كراتشكوفسكي الجغرافية ودراساته للأدب العربي القديم ودراسته للمخطوطات العربية مما عمّق التواصل الثقافي بين المجتمعين العماني والروسي وعلى اثره وفد الى السلطنة طلاب واساتذة روس خلال السنوات العشر الاخيرة لدراسة الفكر العماني مؤكدا اقامة هذا المؤتمر امتدادا لهذا التواصل التاريخي الثقافي.كما ألقى رئيس الاكاديمية اللاهوتية الارثوذكسية الروسية اللورد المطران امبريسيسوس كلمة اشاد فيها بهذا المؤتمر معتبرا اياه محفلا هاما للتواصل بين الثقافات والتفاهم بين الايان من اجل بناء عالم يسوده التسامح والعدالة والتعاون البناء بين الامم والشعوب لما فيه مصلحة الجميع مذكرا بمرور 30 عاما على العلاقات الدبلوماسية العمانية – الروسية وتماثل المنهج التعايشي في المجتمعين العماني والروسي وان هذا المؤتمر يعقد والعالم يشهد صدام الحضارات وتأجج النزاعات دينيا وسياسيا مما ينذر بعواقب وخيمة استدعى انعقاده بالتذكير بالقيم الاصيلة للدين الاسلامي وقيم السلام والاخوة والعدالة بين ابناء الامة والبشرية جمعاء مشيرا الى عمق الفكر العماني وقواعده المنهجية التي تساعد على حلول جذرية لقضايا الساعة وتوثيق العلاقات بين مختلف الديانات والمدارس الفكرية والتعاون بيها بعيدا عن الصدام الثقافي مما اسس مساحة واسعة من التعايش والتسامح الذي يعد سمة واضحة في كل المجتمعات الاباضية، مقررا على اجماع علماء الاديان ان الفكر الاباضي يحمل رسالة الاعتدال في مبادئه وأفكاره وحسن تعامله علمائه مع المخالفين لهم في الرأي العقيدة بمنهجهم التسامحي والقدوة الحسنة وعدم التعصب واتسامهم بالمرونة مع حفاظهم على الهوية والوعي وعدم الانغلاق.وختم كلمته بقناعته التامة ان الدراسات المقدمة في هذا المؤتمر ستكون اضافة مهمة في التعريف بالفكر الاباضي والقاء المزيد من الضوء على جوانبه النيرة لخدمة الانسانية وتطلعاتها.