[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tareksarhan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق سرحان[/author]
" لو أردت أن تكون غنيا ، عليك ان تبرمج عقلك لهذا. عليك نسيان وتجاهل كل الافكار التي تعلمتها لتجعلك فقيرا واستبدالها بالافكار الجديدة – الافكار الغنية فقط "
هي واحدة من أشهر وأبلغ المقولات التحفيزية التي قالها ذئب وول ستريت "جوردان بيلفورت " عن النجاح , والذي عرف كمتحدث لامع ومدرب مبيعات عالي المستوى. وقد صنع اسما لامعا في عالم تنمية المهارات وتحفيز الذات , وبرغم ذلك فقد وصفه البعض بـ " الوغد " ، مهووس بالثراء ، حيث أصاب سريعا بالتخمة من الثراء الفاحش بفضل تلاعبه في سوق البورصة وتلاعبه بالناس وتحايله على المستثمرين وتسببه في إغراق السوق بخسائر كبيرة انذاك.
حيث قال بيلفورت عنها " اسهل الطرق لصنع ثروة ، هو البحث عن اكثر الاشياء التي يهتم بها كل شخص ثم عليك ان تبتكر فيها وتبدع … وستأتي اليك الثروة اوتوماتيكيا "
وهو مادفع احد عمالقة صناعة السينما الاميركية "مارتن سكورسيزي " باخراج فيلم يحكي قصة حياة الملياردير الاميركي في الثمانينات والتي حفلت بالكثير من الاحداث الشيقة ومنعطفات تألق فيها بنجاح ساحق .

ذئب وول ستريت (The Wolf of Wall Street) : هو فيلم سيرة ذاتية , دراما , جريمة وكوميديا سوداء (لما يتضمنه من مشاهد فجة وألفاظ بذيئة وقصص اباحية ومخدرات) من انتاج أميركي ، ومن تأليف تيرينس وينتر, مقتبس عن كتاب يروي فيه جوردان بلفورت مذكراته عن علاقاته بالبورصة وصعوده ثم سقوطه ، وهو الكتاب الذي تربع على قائمة مبيعات الكتب في السوق الأميركية عام 2008. الفيلم من إخراج الاميركي من اصول ايطالية (مارتن سكورسيزي) والذي يعد من اشهر المخرجيين في هوليوود , حاصل على جائزة اوسكار افضل مخرج عن فيلم (The Departed) , وقد ترشح لهذه الجائزة 5 مرات .
وعلى الرغم من رأي البعض بأن الفيلم "مثير للاشمئزاز" , والجدال المحتدم بين النقاد حول البعد الاخلاقي فيه , الا ان سكورسيزي المعروف ببصمته المميزة في عالم الاخراج , يقدم نمطا مختلفا في فيلم اليوم , حيث يعود بنا إلى الذكريات حيناً، ويحكي الواقع حيناً آخر . يمزج بين سرد الشخصية البطلة لأحداث حياتها كأنه يروي بالصوت للمشاهدين قصته، وبين حديثه للكاميرا مباشرة فيشعر المشاهد بأنه يرى بلفورت يصور نفسه بالفيديو أو أنه جعل أحدهم يصوره في بعض المشاهد، بينما يتحدث إلى المشاهد مباشرة في مشاهد أخرى , وتلقى فيها سكورسيزي اشادات ايجابية عديدة فجعلتنا كاميراته نشاهد عالم وال ستريت الحقيقي المختلف تماماً عما نشاهده في التلفاز, انه عالم جنون , وسمسرات لا تحركه سوى دوافع المال وعلاقات القوة والمصلحة .
الفيلم من بطولة نجم هوليوود الاميركي الساحر ليوناردو دي كابريو , الابن المدلل لـ سكورسيزي, الذي كلما اجتمع معه , يطلعك حدسك انك على وشك مشاهدة ابداع حقيقي , حيث يعد هذا الفيلم العمل الخامس الذي يجمعهما معا .
يجسد دي كابريو شخصية الملياردير " جوردان بلفورت " في واحد من اقوى ادواره الاستثنائية التي حصل بفضلها على جائزة أفضل ممثل في فيلم استعراضي أو كوميدي في حفل جوائز الغولدن غلوب (الكرة الذهبية) وايضا ترشح لجائزة اوسكار أفضل ممثل , وامتدحه النقاد كونه جسد دور الملياردير بواقعية مذهلة .
يشاركه البطولة الممثل (جونا هيل) الذي يلعب دور شريك جوردن "دوني أزوف"، والجميلة الساحرة (مارجوت روبي) التي أدت دور زوجته الثانية "ناعومي لاباجليا" في دور اساسي وقوي رشحت بفضله لأوسكار افضل ممثل مساعد .
يذكر ان " ذئب وول ستريت " ترشح لخمس وخمسين جائزة سينمائية وفاز بثلاث عشرة منها. في حين بلغت إيراداته في دور عرض السينما الأميركية نحو 34 مليون دولار خلال الأيام الخمسة الأولى لعرضه ، فيما قدرت تكاليف إنتاجه بنحو 100 مليون دولار اميركي .
قصة الفيلم
يروي الفيلم قصة جوردان بيلفورت بناء على مذكراته الحقيقية وهو وسيط مالي في وول ستريت خسر وظيفته بعد نزيف الأسواق يوم "الاثنين الأسود" عام 1987 ما قاده للعمل في شركة تصنف كـ BOILER ROOM ومن ثم لتأسيس شركته الخاصة , وكيف انتهى به الامر داخل السجون الفيدرالية
احداث
تبدأ احداث الفيلم باستعراض لقطات سريعة من حياة الملياردير جوردان بيلفورت , الوسيط المالي المهووس بالمال , الذي يستنشق الكوكايين , يجوب الحانات باحثا عن علاقات غير شرعية , يبلع المهدئات والعقاقير المخدرة , وكأن حياته اشبه بفيلم فيديو دائم .
يكمل بيلفورت حديثه ويأخذنا في رحلة قصيره الى ماضيه عندما كان بعمرالـ 22 عاما , حيث بدأ البحث عن الثراء , بالعمل في احدى شركات اسواق المال بشارع المال والبورصة بالولايات المتحدة الاميركية "وول ستريت", حيث يلتقى مع استاذه (مارك هانا ) , الذي يعلمه مبادئ اللعبة ويعطيه درسا ثمينا , كما يخبره بضرورة تناول المخدرات والكحول لكي يستمر في العمل واقناع العملاء بالكلام المعسول واغراؤهم بالمال والمكاسب .
الاثنين الاسود (اكتوبر 1987)
يتعرف بيلفورت على اسرار البورصة ويصبح سمسار اسهم مرخص , وفي اول يوم له بالعمل بعدها وفي ظهيرة يوم الاثنين الذي نعته السماسرة بـ " الاسود " ينخفض مؤشر البورصة بنسبة كبيرة ليصبح اكبر انهيارعرفته الاسواق منذ ازمة 1929 , ما يؤدي الى اغلاق الشركة .
يذهب بعدها بيلفورت الى احدى الشركات التى تبيع اسهما رخيصة وتعطي عمولات كبيرة للسماسرة , لمعرفتها بعدم بيع اسهمها , في وقت اصبحت فيه اسواق البورصة مصدرا لقلق العديد من العملاء .
ولمعرفته بخبايا البورصة وكيفية اللعب بالناس , يبدأ بيلفورت ببيع ماقد وصفه هو بـ " القمامة " لانعدام قيمة اسهمه وهو مايثير اعجاب العديد من زملائه بالمكتب .
ستراتون أوكمونت
يلتقي جوردان بيلفورت بـ (دوني ازوف ) والذي يقطن معه في نفس المنزل , وفي حوار مثير بينهما , يقرر الاخير الاستقالة من وظيفته ويقرر العمل مع بيلفورت الذي يستدعى اصدقاءه القدامى ويشرح لهم طريقة عمل السمسرة لرغبته بانشاء مكتب سمسرة خاص به وحاجته لهم للعمل معه , ولكن يظل السؤال الذي يطرح نفسه في عقل بيلفورت وهو " اي من اولئك الاغنياء سيرغب بشراء تلك الاسهم الصغيرة ؟ومن اولئك الذين لم يكملون دراستهم حتى ؟ - يقصد اصدقاءه- .
وهذا مايدفع بيلفورت للعمل اولا على اصدقائه ومكتبه الذي سوف يعمل عليه حتى يصبح شركة عريقة تقع مقرها بأكبر شوارع اسواق المال والبورصة تحت اسم " ستراتون أوكمونت" , ويبدأ بتلقين اصدقائه دروسا في بيع الوهم والسراب .
تستمر الشركة في تحقيق ارباح كبيرة , ويذيع صيتها سريعا بين العملاء الذين يتمكن بيلفورت من تحفيزهم ببراعته على استثمار اموالهم والتحايل عليهم , مايجعله يكسب ملايين الدولارات في اليوم الواحد , وهذا ما يفتح اعين المباحث الفيدرالية عليه , خاصة بعد ان يتصدر اسمه عناوين احدى المجلات الاقتصادية تحت اسم " ذئب وول ستريت " وهو الوصف الذي ازعجه كثيرا في البداية .
ناعومي
هي مصممة ملابس نسائية , يلتقي بها بيلفورت في احدى حفلاته الصاخبة بمنزله الضخم , ويقرر الزواج منها , لشدة اعجابه بجمالها واحساسه بتوافق الفكر بينهم في حب المال والمخدرات وغيرها , وسط انتقادات لاذعة من زوجته لتصرفاته الغريبة وانزلاقه في عالم الجشع والفساد والفجور، ووقوعه ضحية لتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية , مايؤدي الى انفصالهما وانتقال ناعومي بعد زواجه بها الى منزله .
ومع الارباح المذهلة التى تجنيها الشركة , حتى انها تتمكن في احد الايام من جني 22 مليون دولار خلال 3 ساعات لبيعها احد الاسهم , يجن جنون (دينهام) وهو عميل بمكتب التحقيقات الفيدرالية بنيويورك , وهو من احد مقتنصي ومستطلعي شركة ستراتون التى تعود ملكيتها لبيلفورت وقد شغلته ضرباته القوية بأسواق المال وصعود الشركة من العدم في وقت سريع , ويتمكن شرطي من اصدقاء بيلفورت من التوصل لمعرفة ذلك , ويخبره بتوخي الحذر خاصة ان دينهام يحقق بأمر شركته منذ فترة وانه يمتلك صور لزفافه ولأصدقائه وسيتحرش به قريبا , ويقترح عليه ان يتصل به ويتقرب اليه . وهو ما يفعله بيلفورت خلال استقباله لدينهام , ولكن سرعان ما ينتهى لقائهما بخلاف ومناوشات حادة عكس ماتوقع بيلفورت الذي تصبح حياته مهددة وتحت أعين الفيدراليين .
حصار
يتمكن بيلفورت بعد ان يساوره القلق من ملاحقة الفيدراليين له , من تهريب مليارات الدولارات الى احد البنوك بسويسرا , عن طريق استغلال اصدقائه حاملي جوازات سفر سويسرية , ومع تضييق حصار مباحث التهرب الضريبي عليه , يقترح محامي بيلفورت عليه التعاون معهم و الاعتراف ببعض من صفقاته غير القانونية والتلاعب بالبورصة ولكنه يرفض .
يشي (روجرات ) وهو مدير البنك السويسري , ببيلفورت الى المباحث الفيدرالية , ويتم القبض عليه وتغريمه 10 ملايين دولار ووضعه قيد الاقامة الجبرية بمنزله.
يوافق بيلفورت على التعاون مع العميل دينهام , حيث يقدم على خيانة العاملين معه فى صفقة مع المكتب الفيدرالي بمقتضاها، يبلغ عن رجال مؤسسته , والتنصت عليهم , على أن يكون الحكم عليه مخففا.
يحاكم بيلفورت بتهمة الاحتيال والتلاعب في سوق البورصة , ويسجن 36 شهرا في سجن فيدرالي , وبعد عدة سنوات يصدر مذكراته ويقوم بتعليم دروس تنمية المهارات وتحفيز الذات .
فيلم مثير , كوميدي جدير بالاهتمام , يقدم لنا دراسة واقعية لسلوك وثقافة مرحلة زمنية معينة في أميركا تتعلق بما قد يحدث من مشاكل في عالم المال، ويطرح الفيلم أسئلة أخلاقية تتناول صورة مبكرة تنبىء بالأزمة المالية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة. كما يعالج الفيلم مشكلة الإدمان على المخدرات .