كلما اقتربنا من الأزمة في سوريا بان لنا ماوصلت إليه أمورها من تعقيدات تبدو من البعيد وكأن لاحل لها إلا بالصبر الطويل الذي يؤمل وحده أن ينتج حلا. وفي جوهر الموضوع السوري أن الجميع اللاعب بتلك الأزمة يقرر علنا وسرا أن لاحل لها إلا بالحوار بين شتى أطرافها المعروفة والمركبة وبدون أي تدخل خارجي، في الوقت الذي هي ذات القوى الداعمة والممولة الإقليمية منها والدولية تواصل دعم المنظمات الإرهابية ثم يأتي طرحها العجيب بأن لاحل للأزمة مع وجود الرئيس الأسد.هذا الكلام يمكن لنا أن نسمعه بدقة أكبر من الإدارة الأميركية والتي دأبت على التناقض في أقوالها، فمرة تتحدث على أن لاحل عسكريا في سوريا، بمعنى أن الحل السياسي يجب أن يكون الهدف، ومرة أخرى تقول أن لاحل بوجود الرئيس الأسد، بل تتحدث عن مناسبة دعم القوى المعتدلة في وقت تطرح عكسه. تلك الازدواجية في الكلام تنم عن تخبط فاضح، فيما تنشط القوى الإقليمية تحديدا في لعبة الدعم غير المتناهي للقوى الإرهابية، متجاوزة على وجه التقريب ماتقوله واشنطن وما تفعله. ولهذا، تتقدم تركيا بلاهوادة في شمال سوريا، فيما يدعم الإسرائيلي بشكل علني كل خطوات جبهة " النصرة " وإن كان الآن يعيش حالة اليأس في معارك القلمون التي يتقدم فيها الجيش العربي السوري وحزب الله بانتصارات متلاحقة، ولو تسنى للإسرائيلي أن يتدخل بطريقة أو بأخرى بتلك الجبهة المشتعلة لفعلها، فهو يعرف أنها ستنقلب عليه وأنه ليس مضطرا في النهاية أن يدفع فاتورة غالية مقابل نصرته للتنظيم الإرهابي.من هنا يبدو غير مفهوم كيف سيستقيم هذا التناقض بين الدعوة إلى الحل السياسي من قبل الدول الإقليمية والأطراف الدولية، في الوقت الذي تواصل فيه هذه الأطراف دعم المنظمات الإرهابية بالمال والسلاح لتريضها ضد دعوة التحاور والقبول بالحل السياسي. لكن الأمر ليس لغزا إذا فهمنا الأبعاد التي تحكم الأزمة في سوريا، وكيف يعمل الإقليميون والدوليون على تدمير سوريا بعدما توصل الجميع إلى أن رحيل الرئيس الأسد من المحال وأنه بات وراء الأزمة ولا سبيل إلى تحقيق هذا الأمر. ولهذا بصبح عنوان المرحلة تدمير سوريا وقتل مايمكن من شعبها والتصويب على الواقع الاجتماعي والاقتصادي، والعمل على التمكن من فرط الوحدة الوطنية السورية، وهذه كلها أيضا لم تحصل ولن تحصل نتيجة المناعة السورية المتأصلة في المجتمع السوري والتي زادتها المحنة قوة وبأسا.إن اللاعبين الاقليميين والأطراف الدوليين يمارسون تلك اللعبة ضد سوريا، لأنها آخر الأوراق التي يمسكون بها والتي يراهنون على أن تحقق لهم مأربا أو نتيجة. ولذلك فإن الأزمة في سوريا ليس لها حل في المدى المنظور، وأن مؤتمر جنيف 3 لم يتم تحديده بعد، وأن حراك المندوب الأممي ستيفان دي ميستورا مازال غائبا بعدما أسقط في يده، وأن الحل السياسي بالتالي ليس الآن موضع تشاور أو البحث عنه أمام التناقضات المعاشة بين أطراف تتحدث عن الحوار وتفعل عكسه، وتتحدث عن حرصها على سوريا وتستمر في دعم عملية تدميرها. ويبدو أن لاحل الآن سوى المزيد من المكاسب التي سوف يضيفها الجيش العربي السوري، فهي وحدها الأمل بين الضباب الذي يمسك بالأزمة ويأخذها إلى اللامكان، وهو كلمة السر التي تعني عدم الحل أو تبيان خيوطه.