[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” .. إن الانقطاعات المتكررة لخدمات المياه والكهرباء وضعف شبكة الاتصالات وما تشهده بعض المؤسسات والمشاريع والحلول والخيارات المطروحة من تعثر وضعف وتأخر وتراجع في خدماتها وفاعليتها ... وما يلقاه المجتمع من معاناة متواصلة جراء هذا الوضع المستمر, قد أحدثت غضبا بين المواطنين وجد متنفسه في وسائل التواصل المجتمعي....”
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تشهد وسائل التواصل المجتمعي بتعدد قنواتها في هذه الأيام, حراكا نشطا ومناقشات واسعة استقطبت مشاركين ينتمون إلى شرائح متباينة في العمر والمستوى المعرفي وفي التخصص والخبرة ... في مرحلة زمنية فاصلة يحكم فيه العصر الالكتروني بمختلف وسائله وأدواته وقنواته وإعلامه قبضته على المشهد, مقدما فضاءه الواسع للرأي العام ليلقوا فيه ما يشاءون من رغبات وآراء وملاحظات وصور ومقاطع, وليعبروا عن غضبهم ومعاناتهم ومشاريعهم ومشاعرهم, وينقلوا من خلاله إلى العالم أجمع مشاهداتهم ومصادفاتهم وتجاربهم ولقاءاتهم اليومية وأحداثه وتطوراته, ويتحاوروا ويتجادلوا عبر وسائله في مختلف القضايا والموضوعات فيشبعوها بحثا ونقاشا , ومنها بالطبع القضايا والملفات الوطنية والمحلية, وهو ما انعكست آثاره على الحياة العامة محدثة نقلة هائلة في أنماط التفكير والسلوك, وفي حرية انتقال المعلومة واتخاذ القرارات والوعي العام والانفتاح على العالم وحرية التعبير ورصد توجهات الرأي العام والقفز على الاعلام الرسمي وتجاوزه مسببا ضغطا كبيرا على صناع القرار ومؤسسات الدولة وإن لم يظهر ذلك بشكل مباشر في بعض الأحيان والأحداث ... وعودة إلى موضوع المقال, فإن الانقطاعات المتكررة لخدمات المياه والكهرباء وضعف شبكة الاتصالات وما تشهده بعض المؤسسات والمشاريع والحلول والخيارات المطروحة من تعثر وضعف وتأخر وتراجع في خدماتها وفاعليتها ... وما يلقاه المجتمع من معاناة متواصلة جراء هذا الوضع المستمر, قد أحدثت غضبا بين المواطنين وجد متنفسه في وسائل التواصل المجتمعي التي تلقت سيلا من التساؤلات والملاحظات والتعليقات الغاضبة, وتم تداول العديد من المقالات ومقاطع الفيديو والصور لمواطنين يتهافتون للحصول على المياه من مصادر متعددة أو ينقلون أوعية بأحجام مختلفة يحملون فيها الماء أو يتقاسمونه مع آخرين ... والتي وصفها الكثيرون بأنها غير حضارية ولا تنسجم البتة مع دولة الحداثة والعصرنة, وتعبر عن هشاشة وضعف البنية التحتية ليعض القطاعات ومنها شبكات الكهرباء والماء والاتصالات رغم الخطط والبرامج والاستراتيجيات والوعود المعلن عنها, وهو ما لا يتوافق مع الأهداف والغايات والمبادئ التي قامت عليها النهضة العمانية, وأكد عليها مرات ومرات حضرة صاحب الجلالة سلطان البلاد المفدى في كلماته وتوجيهاته وتعليماته السامية, وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد جاءت هذه الانقطاعات لكي تذكر المواطنين بعشرات المشاريع الخدمية والاقتصادية والسياحية وقوانين إدارية ترتبط بحقوق موظفين وعاملين ... والتي منها ما صدرت فيه توجيهات سامية, وقد أعلن عن تنفيذها وافتتاحها في سنوات ومواعيد أصبحت من الزمن الماضي وما زال الكثير منها في طور التنفيذ وما زالت مواعيد الانتهاء من تنفيذها في علم الغيب, ومشاريع أخرى انقضت المواعيد المعلن الانتهاء من تنفيذها وما زالت بعد حبيسة الخطط والبرامج والأوراق, وما زال المجتمع يتساءل فيما إذا كانت ستنفذ أم تم الغاؤها نهائيا ؟ ... وقدمت تلك المناقشات والحوارات والأسئلة والملاحظات العديد من الأمثلة والمواقف لإخفاقات وإشكالات وتأخر وضعف في معاملات المواطنين وفي تقديم وإيصال الخدمات وفي المراجعات , وتوالت التعليقات الغاضبة على مسئولين لا يكترثون لمعاناة المواطن ولا يحركون ساكنا وقت الأزمات ومنها تلك الانقطاعات المتواصلة في شبكات المياه خاصة, ولم يجدوا مبررا يمنع مجلس الوزراء أو مجلس عمان من عقد اجتماع طارئ لمناقشة ودراسة مثل هذه الظروف أو اعتراف لمسئول بخطئه واعتذاره لما حدث ويحدث ... وتوالت الأسئلة عن الأسباب الحقيقية لكل ذلك, وهل هي في المسئول أم في الهيكلة الإدارية للمؤسسات الحكومية؟ هل في المنظومة التشريعية أم في تداخل المصالح واتساع صور وأشكال الاستغلال؟ هل تكمن في مرحلة إعداد الخطط والبرامج أم في التنفيذ؟ هل أن الخطط والبرامج والبدائل المعددة والمعروضة جيدة ومرضية وقادرة على الوفاء بالمتطلبات, إلا أن صاحب القرار اختار البديل الأضعف والأسوأ لأن اختياره وافق تفكيره المحدود والضيق, أو لأنه توافق مع مصالحه؟ ... وفي واحدة من تلك المناقشات المتواصلة, قدم أحد الأخوة تجربته المتمثلة في مشاركته مع مجموعة من المسئولين الحكوميين من مدراء عموم ومستشارين ومكاتب وزراء وعسكريين في حلقة عمل بماليزيا حول بناء الاستراتيجيات وتطبيقها, وقد تضمن البرنامج زيارة عدد من المؤسسات والشركات للإطلاع على تجربة تخطيطها وأسرار وعوامل نجاحها, وكان من ضمن البرنامج كذلك زيارة مدينة ( وترا جايا) عاصمة ماليزيا السياسية أو الإدارية الجديدة التي بنيت في عشر سنوات (مقارنة بمبنى وزارة التربية والتعليم) كما جرت في لسانه العبارة المتداولة للتدليل والمقارنة, وقد أنبهر المشاركون بتلك الزيارة وما شاهدوه من تطور ورقي في مختلف القطاعات والمجالات وما تعلموه من مادة علمية تضمنها البرنامج وتعرفهم على أسباب نجاح التجربة الماليزية. وتحمس الجميع كل في مجاله للعودة إلى الوطن, وتبني تلك الأفكار التي خرجوا بها لتطوير ما هو قائم, وتم الاتفاق على التعاون ووضع برنامج للقاءات مشتركة والتنسيق المتبادل وتقديم ورقة عمل تتضمن مرئياتهم لتحقيق ذلك التطوير على ضوء التجربة المشار إليها. والمحصلة أو النتيجة أنهم وبعد أكثر من عام لم يتمكنوا من إحداث أي أثر بسبب التعقيدات الإدارية والصعوبات العملية والثقافة المستعصية على التغيير لعدد من المسئولين. وهكذا تتبخر الأموال وتهدر الجهود المخلصة في برامج وحلقات ومشاركات لا تعود بأي نفع على كثير من المؤسسات.
إن الثقافة التي بنيت عليها المسئولية تشكلت للأسف على أساس أن الوظيفة سلطة ومكانة ووجاهة وتحكم وجملة من الامتيازات والمصالح التي يجب أن يحصل عليها المسئول, لذلك باتت مطمعا يتطلع إليها الكثيرون ويسعون بكل السبل والوسائل للتربع على كرسي المنصب, بغض النظر عن امكاناتهم وقدراتهم فتعاظمت تلك الثقافة على قيم العمل وعظم وثقل المسئولية والتزاماتها وما تتطلبه من أمانة وجهد وإخلاص وسرعة في الانجاز وجودة في العمل وتحقيق للأهداف, وغابت المساءلة والمحاسبة ... فلا بد إذن والأمر كذلك من العمل على تعزيز الوعي في الثقافة والفكر والمنهج ... وذلك بتطوير القطاع الإداري وتعزيز العمل المؤسسي وتفعيل دور المحاسبة والمساءلة على ضوء متابعة وتقييم الخطط والبرامج المقرة وخطط الطوارئ المعدة, وتقييم مراحل الإنجاز والتنفيذ وجودة العمل وما بلغته من مستوى في تحقيق رضا المواطن, والاعتماد على الكفاءات المتميزة والقدرات التي أثبتت جدارتها في تقلد المناصب والإشراف والقيام بالمسئوليات وفق أسس وشروط واضحة ومقرة تعتمد على القانون. وتمكين مجلس عمان من القيام بمسئولياته التشريعية والرقابية في هذا الإطار, والتعامل مع الاعلام بمزيد من الشفافية والوضوح والتعاون لكي يحقق أهدافه الأساسية في نقل الحقيقة وتوضيح الصورة وتعزيز الوعي المجتمعي بكل موضوعية ومصداقية بغية إعادة ثقة المجتمع في إعلامه. وتعزيز وتفعيل وتطوير الأنظمة والقوانين, وبما يحقق المساواة في الحقوق والواجبات, ويعالج الضعف الإداري التي باتت سمة غالبة في كثير من الوزارات والهيئات الحكومية, والاعتماد في القرارات والمحاسبة والعمل الوطني على منظومة من التشريعات المتطورة التي تحقق رضا المجتمع وتسرع من وتيرة العمل وزيادة الإنتاج. تتوالى الأسئلة ويجتهد البعض في الإجابات وتتواصل المناقشات والكتابات وتقوم المؤسسات الإعلامية بطرح وإبراز تلك الاشكالات وملاحظات ومعاناة المواطنين, وتغيب في المقابل المؤسسات المختصة والمسئولة والمشرفة ومسئوليها عن المشهد, وهو ما يطرح السؤال الأبرز والأهم الذي يبقى عالقا مع كل أزمة ترتبط بخدمات المواطنين.