الحلقة الثالثة
القوانين ذات الطابع اليهودي التي سنها الاحتلال أهم العقبات الإسرائيلية أمام تحقيق الدولة الواحدة

من المعروف أن إسرائيل تفتقد إلى الدستور وإلى رسم حدودها الجغرافية حتى اللحظة. إسرائيل استعاضت عن الدستور بجملة من القوانين ذات الطابع الدستوري، سنّتها في دورات متعاقبة للكنيست: قانون أملاك الغائبين سنة 1950، قانون العودة سنة 1950، قانون أملاك الدولة سنة 1951، قانون الجنسية سنة 1952، قانون استملاك الأراضي عام 1953، وقوانين أخرى سنتها بعد ذلك. لكن القوانين السابقة هي الأساس الذي يحدد طبيعة إسرائيل، التي لاتزال تدخل صياغات تعديلية على القوانين التي سنتها، وتسن أخرى بحيث تتواءم مع أهدافها في كل مرحلة وفقاً للمتغيرات السياسية والعسكرية والديموغرافية والاجتماعية.
عند تشكيل الدولة الإسرائيلية رسمياً في عام 1948 وفي بيان الاعلان عنها تم التأكيد على عدة مبادئ من بينها:
"الدولة اليهودية" و "قانون العودة" وبموجب هذين المبدأين "فإن إسرائيل ملتزمة بلم شمل اليهود من مختلف أنحاء العالم أو من يتهودون، والذين لهم الحق في العودة والحصول على الجنسية والعيش في إسرائيل كمواطنين مؤهلين للانتفاع من 92% من أرض إسرائيل( فلسطين) المخصصة لمصلحة اليهود فقط، وجميع غير اليهود – بمن فيهم الفلسطينيون – ممنوعون من الانتفاع بتلك الأراضي.
وللتأكيد على الطابع اليهودي لإسرائيل، صادق الكنيست الإسرائيلي في عام 1992 على (قانون الأساس)، والذي يؤكد على (كرامة الإنسان وحريته والمساواة بين مواطني الدولة اليهودية).
ولتحصين الطابع اليهودي لإسرائيل أيضاً، قامت حكومة الليكود الأولى في عام 1977 بإصدار قانون ينص على ما يلي (عندما تواجه محكمة العدل العليا بسؤال قانوني يتطلب قراراً لا يوجد له جواب في القانون الوضعي – قانون الحالة – أو من خلال التحليل، يتوجب على المحكمة أن تقرر في ضوء مبادئ الحرية، العدالة، المساواة والسلام الخاصة بالتراث اليهودي) (نشرة لمنظمة عدالة – المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل). أيضاً وفي عام 1985 قامت الكنيست الإسرائيلي بسن قانون، أقرته غالبية أعضائها، ولا يمكن إلغاؤه إلاّ وفق أصول خاصة، وبموجبه (لا يجوز لأي حزب يعارض برنامجه مبدأ الدولة اليهودية أو يعلن عن عزمه على تغيير هذا المبدأ حتى بالوسائل الديمقراطية، أن يشارك في انتخابات الكنيسيت.
ليس مصادفةً أن يتم إيراد هذه القوانين بنوع من التفصيل، ذلك أنه ومنذ بدء الحركة الصهيونية في الإجراء التحويلي للديانة اليهودية إلى عقيدة قومية، بالضرورة، فإن إحدى تداعيات ذلك أن تكون أيضاً عقيدة استعمارية، فإن الحلم الصهيوني، وفيما بعد الصهيوني – الإسرائيلي يتجسد في إنشاء دولة اليهود في فلسطين والمحكومة من (الشعب اليهودي) وليس (الشعب الإسرائيلي) والفارق كبير بين المسألتين .. مما يعني أن إسرائيل لن تتخلى في يوم من الأيام عن يهوديتها، وصهيونيتها، وعقيدتها.. بالتالي من الصعب التصور وبخاصة في المدى القريب المنظور، أن تجنح إسرائيل لإمكانية الاستعداد لإنشاء دولة ديمقراطية علمانية واحدة مع الفلسطينيين.بالفعل ومع مرور الزمن, فإن إسرائيل تعمل على سن القوانين التي تحصّن الطابع اليهودي لدولتها ,وتصعّب من الحياة المعيشية للفلسطينيين في دعوة صريحة واضحة لهم للهجرة من وطنهم, إضافة إلى دعوتي نتنياهو وليبرمان عام 2014 لهم بالرحيل!.
إسرائيل قامت بصورة استثنائية مختلفة عن كل دول العالم، إن ببطلان الحقوق التاريخية التي تدّعيها الحركة الصهيونية بامتلاك الأرض الفلسطينية، أو بالتطور التاريخي في إنشاء الدول، ذلك أنّ من جرى تهجيرهم من اليهود من مختلف أنحاء العالم... جاؤوا ليستوطنوا أماكن من جرى اقتلاعهم وتهجيرهم قسراً من الفلسطينيين، ومن يجري التخطيط لاقتلاع وتهجير جزءٍ كبير منهم، بعد مرور ما ينوف على السبعة وستين عاماً على إنشاء الدولة الإسرائيلية، وفي عصر حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين. إسرائيل قامت كنتيجة للتحالف بين القوى الاستعمارية والحركة الصهيونية، من أجل زرع كيان غريب في وسط المنطقة العربية، يبقيها مجالاً حيوياً للتدخل الأجنبي في كل المراحل المستقبلية، ويبقيها أقطاراً عربية متفرقة، ممنوعة من الوحدة.
لذا من الصعب أو من الاستحالة بمكان (وهي الأدق تعبيراً) الفصل ما بين إسرائيل والاستعمار، وما بين إسرائيل والصهيونية، وما بين إسرائيل واستمرار العدوان... لذلك كان من الطبيعي أن تصدر الأمم المتحدة في 10/11/1975 قراراً يحمل الرقم (3379) باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، بعد سلسلة من قرارات عديدة اتخذتها لجان دولية تابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك الجمعية العامة، وإعلانات عديدة من مؤتمرات دولية: للمرأة، مؤتمرات قمة أفريقية، واجتماعات وزراء خارجية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
أما بشأن إلغاء هذا القرار فيما بعد، فقد جاء في ظروف تحكم القطب الواحد (الولايات المتحدة) في السياسات الدولية، وهي الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ودول المنظومة الاشتراكية.
ومن التاريخ أيضاً، وإلى جانب ربط الصهيونية لمصالحها مع المصالح والأهداف الامبريالية، وفي فترة ما، التحالف، حتى مع النازية ضد مصالح التجمعات اليهودية في الدول الأوروبية، هذا التحالف الذي إن اختلف فيه شيء، فإنما سيره نحو المزيد من العمق... فإن إسرائيل ومنذ نشأتها وحتى اللحظة، تحالفت مع الاستعمار والأنظمة الأكثر عنصرية بين دول العالم، إن في الوقوف مع الاحتلال الأمريكي لفيتنام، أو التحالف مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أو الدول الدكتاتورية، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
إسرائيل وبعد مرور ما يقارب السبعة وستين عاماً على إنشائها... فإن مظاهر التطور الأبرز فيها تتمثل في: ازدياد حدة العداء للفلسطينيين والعرب والتنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، واستعمال الأسلحة المتطورة والأكثر فتكاً بالفلسطينيين والعرب، بما في ذلك (الأسلحة الممنوعة الاستعمال دولياً) وارتكاب المزيد من المجازر بحقهم، في سياسات يومية عدوانية...إضافة إلى الإيغال مزيداً في المسيرة نحو اليمين: إن في التطور الذي تحرزه الأحزاب اليمينية والدينية، التي تحقق مكاسب أكثر في الانتخابات التشريعية المتتالية للكنيسيت دورة بعد أخرى، وفي المزيد من فرض شروطها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الإسرائيلية، أو في ازدياد نفوذ المؤسسة العسكرية وسيطرتها على الحياة السياسية في إسرائيل، وهذا يعني: أن التنشئة للأجيال القادمة إن في المدارس الدينية التي تزداد أعدادها عاماً بعد عام، أو في المدارس التابعة للحكومة، تتم من خلال المزيد من الارتباط بالجذور التوراتية للعدوانية، وللعنصرية الإسرائيلية، المتمثلة في النظرة الاستعلائية لليهود (المشرّبين بالميزات الربانية الخاصة – هكذا يعتقدون!) في التعامل مع الأغيار (غير اليهود)، والذين لا يستحقون سوى الموت (كالعرب)!.
إسرائيل وبعد ما يقارب السبعة عقود من تأسيسها، وباعتبارها التمثيل العضوي للصهيونية التي مضى على تحولها إلى حركة سياسية ما يزيد على القرنين زمنيين ... فإنها ما زالت تمثل الوجه الحقيقي للجيتو التاريخي اليهودي، في المجتمعات التي عاش اليهود تاريخياً بين ظهرانيها... إن في فكرة السور التي هجس بها ثيودور هرتزل في مؤلفه (دولة اليهود) أو الجدار الحديدي الذي تحدث عنه زئيف جابوتنسكي، والذي ترجمته إسرائيل إلى فكرة بناء الجدار العنصري العازل للفصل بينها وبين العرب، والذي تهدف إلى تهجير جزء من العرب (ممن تعتبرهم مواطنيها) والإلقاء بهم خلفه! فكرة عزل العرب، بهدف نقاء دولة اليهود، هي الأساس في الطرح الإسرائيلي لدولة الكانتونات المؤقتة في الحل مع الفلسطينيين، ولم تجئ كنوع من الاعتراف الإسرائيلي ببعض الحق الفلسطيني. يقول دوف فايسجلاس (الذي كان مساعداً لشارون) في تصريح له (بأن خطة الانفصال في قطاع غزة جاءت لتسد الطريق على أية تسوية نهائية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية).
أما الباحثة الإسرائيلية آنيتا شبيرا، فتقول (إن تشكيل مناطق استيطان يهودية منعزلة، أدى في نهاية الأمر، إلى التنازل عن تلك المناطق الفلسطينية التي لم تتشكل فيها أغلبية يهودية).
وحول الرعب الإسرائيلي من العامل الديموغرافي، والذي تؤكد كافة الإحصاءات الإسرائيلية، بأن عدد العرب في عام 2025 سيزيد عن عدد اليهود (إذا ما استمر سكان إسرائيل بمثل ما هم عليه هذا العام 2007 دون قدوم مهاجرين جدد) فنقول:
الديموغرافية تشكل هاجساً كبيراً لإسرائيل منذ نشأتها، فإضافة إلى احتلال أماكن الفلسطينيين (مدنهم وقراهم وأراضيهم) في عام 1948، فقد هجّرت قسراً ثلاثة أرباع المليون من الفلسطينيين. نفس السياسة جرت ممارستها في عام 1967، وفي ممارسة الإبعاد ضد الفلسطينيين فيما بعد.
هذا الهاجس تحول إلى ندوات مستمرة تعقدها مراكز أبحاث إسرائيلية، ولعل أبرزها، مؤتمرات هرتسيليا للسياسات الاستراتيجية، التي يدعى إليها قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية، وخبراء استراتيجيون، وعلماء ومفكرون من داخل إسرائيل ومن خارجها وبخاصة من اصدقائها .. والتي ابتدأت في الانعقاد سنوياً منذ العام 2001، والتي تعقد تحت شعار (تعزيز المناعة والأمن القومي الإسرائيلي).
هذه المؤتمرات جعلت من أبرز مهماتها: التصدي للخطر الديمغرافي الفلسطيني على إسرائيل. ولذلك، لديها توصياتها بهذا الشأن، والتي جرى تثبيتها في (وثيقة هرتسيليا)، التي صدرت عن مؤتمر هرتسيليا الثاني، وقد تركزت التوصيات الصادرة عن المؤتمر في ثلاثة اقتراحات: وسائل داخلية لتشجيع اليهوديات على الإنجاب، مبادلة المناطق ذات الكثافة السكانية العربية داخل الخط الأخضر مع مناطق تابعة للسلطة الفلسطينية، إمكانية الترحيل لجزء من الفلسطينيين التابعين للدولة الإسرائيلية، واقتراح آخر جرى طرحه في مؤتمر هرتسيليا الرابع، والقاضي بالانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد في قطاع غزة، وامكانية تطبيق ذلك في الضفة الغربية (المؤتمر السادس وما طرحه أولمرت على منبر المؤتمر).
في عام 2002، أوصى مجلس إسرائيل للديموغرافياً (بحّث الأمهات اليهوديات – فقط – على الإنجاب)، كما سبق لشارون أن حث القادة الروحيين الإسرائيليين بأن يسهلوا هجرة غير العرب إلى إسرائيل، حتى لو لم يكونوا يهوداً، وذلك لكي يقدموا لإسرائيل خزّان أمان ضد السكان العرب المتزايدين.
لكن، من حق القارئ أن يتساءل: لماذا لا تقوم إسرائيل حالياً بطرد العرب منها؟ وفي الإجابة على هذا السؤال يقول المؤرخ الإسرائيلي التقدمي، إيلان بابيه، صاحب كتاب (التطهير العرقي للفلسطينيين).. "إن الكوابح على التصرفات الإسرائيلية ليست أخلاقية ولا أدبية، بل تقنية، فكم بإمكان إسرائيل فعله من غير أن تتحول إلى دولة منبوذة، ومن غير أن يُدفع الأوروبيون إلى فرض عقوبات عليها، أو أن يُجعل موقف الأمريكيين المؤيد لها صعباً جداً؟ ويستطرد... إن إسرائيل حالياً تتمتع بأمرين في وقت واحد، فهي تطبق على الأرض مزيجاً متقناً من الإجراءات التي تجعل حياة الفلسطينيين جحيماً لا يُطاق، فتوجد بيئة تُفضي إلى تطهير عرقي بالتدريج، ولكنها في الوقت نفسه تتجنب القيام بمشهد دراماتيكي يُجفل العالم ويدعوه إلى شجب أفعالها وفرض العقوبات عليها".
أما عالم الاجتماع الإسرائيلي جرشون شفير، فهو أكثر وضوحاً في التعبير عن العلاقة بين الديموغرافيا والأرض، فهو يقول (إن إعطاء أغلبية للديموغرافيا – أغلبية يهودية في جزء من فلسطين – على الجغرافيا – أقلية يهودية مسيطرة على كل أجزاء فلسطين – تحوّل إلى ماركة متميزة للتيار المركزي في حركة العمل الصهيونية منذ الثلاثينيات من القرن العشرين).
وللغرابة، فإن بعضاً من التيار الديني الإسرائيلي المتطرف، قد استوعب هذه المعادلة، وأصبح من أكبر المؤيدين للانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، يقول أحد أهم منظري هذا التيار يوسي كلاين هليفي في تصريح له (إن على الصهيونية الدينية الإقرار بأن مؤيدي الانسحاب ليسوا أقل وطنية واخلاصاً وحرصاً على وحدة الدولة وسلامتها من الآخرين).
مما سبق... يمكن استنتاج بعض أبرز وأهم الأسس، التي تحول حقيقة، دون امتلاك اية حدود دنيا من امكانية قادمة، لموافقة إسرائيلية على فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة مستقبلاً... فمسيرة إسرائيل بعد ما يقارب السبعين عاماً على إنشائها، لم تُنتج سوى المزيد من التوجه نحو اليمين (وهذا ما بينّاه سابقاً)، ثم إن مسيرة اليهودية خلال الفي عام، لم تكن كفيلة بإحداث تغيير نمطي في الحياة اليهودية، بالانتقال خارج أسوار الغيتو، والجدار، والسور الحديدي، مما يشي ووفقاً لرؤية حالية لإسرائيل من الداخل، بأن ألفي عام أخرى، ليست كفيلة بإيجاد تغييرات جوهرية في هذه النمطية... إلا في بعض التفاصيل التي لا تؤثر على المضمون! ما لم تحدث تغييرات جوهرية دراماتيكية (بفعل مستجدات غير محسوسة حالياً) في الصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني، وتغير في موازين القوى لصالح تغييرات من نمط: إمكانية إزالة الكيان الإسرائيلي، لأن تاريخ المنطقة كان حافلاً بالاعتداءات عليها، والاحتلالات الكثيرة لأجزاء من أراضيها، وفيما بعد تحقيق انتصارات على هذه الاحتلالات والاعتداءات.
نقول ذلك، لأن النهج الصهيوني – الإسرائيلي منذ بداية تشكيل الحركة الصهيونية كحركة سياسية وحتى هذه اللحظة (وليس هناك ما يوحي بإمكانية تغيير هذا النهج) ارتبط بالعدوان والعنصرية والنظرة الاستعلائية على الأغيار (الذين خلقوا من أجل خدمة بني إسرائيل – هكذا يعتقدون!). هذا النهج يؤسس، وسيظل يؤسس لصراع تاريخي مستقبلي غير منظور، فما يُمارس من تنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ومن عنصرية تجاه (عرب إسرائيل) وتجاه كل الفلسطينيين والعرب، وكذلك قوانين الدولة الإسرائيلية، لن تنتج غير عوامل احتدام الصراع بمرور السنين، رغم كمونه المرحلي، بفعل عوامل سياسية كثيرة متعددة أحياناً.. فإسرائيل الكولونيالية منذ الأساس، قامت على الظلم الفادح للفلسطينيين، وهذا الظلم، جرى الاتفاق عليه من قبل اليمين واليسار التقليدي الكلاسيكي الإسرائيلي ولايزال، ومثلما يقول الكاتب الفلسطيني أمير مخول (النموذج الدمجي لا يمكن أن يتحقق، لأن الهيمنة في النموذج الدمجي لا تُقاس بالكم، بل بالسيطرة على مرافق القوى ومصادرها، وعلى البيئة الداخلية والخارجية لكل مجموعة، وهي بيئة توجد فيها هيمنة إسرائيلية مطلقة، والنموذج الدمجي سيكرس هذه الهيمنة ويرسخها).
أما من زاوية المقاربة مع جنوب أفريقيا في أذهان من يدعون إلى الدولة الديموقراطية الواحدة في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية، فإنه وإضافة إلى أن السكان السود في جنوب أفريقيا، هم الأغلبية الساحقة، وقد كانوا خارج السلطة، مقارنة مع البيض، والذين تشكل نسبتهم ليس أكثر من 15% ممن كانوا في السلطة، وفي الحالة الجنوب أفريقية... فقد عاد السود إلى السلطة، أما في الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية، فالأمور معكوسة تماماً، وهناك برامج إسرائيلية لإبقاء الحالة كما هي، أو تحقيق المزيد من الاختلال في نسبتها لصالح اليهود، مما يجعل الأمر فعلياً للأقلية، بأنها تشارك فقط في الحياة السياسية من خلال التصويت، الذي لا يعني أية مشاركة فعلية حقيقية في إدارة شؤون البلاد، من دون امتلاك أية تأثيرات في العناصر السيادية للقرارات التي تقررها الأغلبية اليهودية... لذا (فإن مفاتيح الاقتصاد والهيمنة والرموز ومفاتيح القوة العسكرية والعلاقات الخارجية، كلها في يد طرف واحد، وهذا الوضع لا يمكنه إنتاج دولة واحدة).
من زاوية ثانية، فإن التمايز الاقتصادي ما بين اليهود في إسرائيل والمجتمع الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وغزة، حيث تنتشر البطالة والفقر إلى جانب القهر والمعاناة اليومية، بفعل الاحتلال، يوجد عقبة إضافية في طريق إنشاء الدولة الديمقراطية الواحدة، التي يخالف التمايز جوهرها الديموقراطي أيضاً لذا، (فإن القول بأن يعيش في الدولة الواحدة اليهود والمسلمون والمسيحيون فذلك يُضفي على الصراع طابعاً دينياً وطائفياً بحتاً) وهذا يخالف جوهر الصراع الفلسطيني العربي - الإسرائيلي، حيث تصادر حقوق شعب ويجري اضطهاده على يدي حركة استيطانية استعمارية، مشروعها يكمن فقط في إدامة العدوان.
يبقى القول: إن الذين يدعون إلى الدولة الواحدة، لا يتصورن امكانية تحقيقها على المدى القريب المنظور، بل من وجهة نظرهم، إنها مسألة قابلة للتحقيق بعد مدى زمني طويل.
ولكن، حتى تحقق هذه الفكرة... يستلزم أن تتخلى الصهيونية عن ذاتها، وأن تتخلى إسرائيل عن عدوانيتها وعنصريتها ويهوديتها، وأن تتحول إلى دولة ديموقراطية حقيقية، وأن يمضي عليها عشرات بل مئات السنين من التطبيق الديمقراطي الفعلي، بالإضافة إلى تثقيف ديمقراطي لأجيالها القادمة، بعيداً عن الجذور التوراتية العنصرية، وبعيداً عن الشوفينية وكل عقائد الاستعلاء والتفوق على البشر، إضافة بالطبع إلى الاعتراف والتنفيذ الفعلي للحقوق الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك إتاحة الفرصة لحق الملايين من اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وإلى بيوتهم وأملاكهم، وتعويضهم عن كل المعاناة التي ذاقوها في الشتات!

فايز رشيد
كاتب فلسطيني