يبدو أنَّ الحاجة لإعادة تعريف «إسرائيل» أصبح اليوم أمرًا ملحًّا في ظلِّ انحياز رسمي عربي مستغرب لهذا الكيان المارق، حيث يبدو الأمْرُ غير طبيعي بالفعل في علاقة بعض الأنظمة العربيَّة مع الكيان الصهيوني، وهنا يتوجب إعادة تعريف ما يُسمَّى «إسرائيل» الَّتي زرعت عَبْرَ مخطَّطات ومؤامرات استعماريَّة بدءًا من مؤتمر الحركة الصهيونيَّة الأوَّل في بازل بسويسرا عام 1897 الَّذي تبنَّى مشروع إنشاء دَولة «إسرائيل» تبعه بعد عشر سنوات مؤتمر كامبل عام 1907 الَّذي قرَّر إنشاء جسم غريب في قلب المشرق العربي، لِيُمثِّلَ حائلًا دُونَ نهوض هذه الأُمَّة ومعتمدًا على تفوُّق هذا الكيان السرطاني الخبيث على سائر العرب ويهدف إلى إضعاف الأُمَّة العربيَّة ويكرِّس حالة الانقسام والتجزئة بَيْنَ البلاد العربيَّة، ورغم جدليّة المصادر المتعلِّقة بهذا المؤتمر إلَّا أنَّ الحقائق التاريخيَّة اللاحقة جسَّدت نتائجه وأهدافه ممَّا يؤكِّد أنَّ إنشاء «إسرائيل» جاء كمشروع استيطاني وقاعدة متقدِّمة للامبرياليَّة التقت فيها أهداف الصهيونيَّة مع أهداف القوى الاستعماريَّة، لِيأتيَ وعد بلفور عام 1917 ليرسِّخَ هذه الحقيقة الاستعماريَّة بتوافق قوى الاستعمار في منح اليهود وطنًا قوميًّا لَهُم في فلسطين؛ وما تلا ذلك من ترتيبات للهجرة اليهوديَّة وشراء الأراضي في فلسطين الَّتي كانت تحت الانتداب البريطاني وصولًا لعام 1947 عِندما صدر قرار تقسيم فلسطين، تلاه الحرب العربيَّة الإسرائيليَّة في عام النَّكبة، حيث تمكَّن الصهاينة من السيطرة على نصف أرض فلسطين، وبعد عَقدَيْنِ يتحقق للاستعمار توسُّع جديد لهذا الكيان بعد الحرب الخاطفة الَّتي نفَّذتها القوى الاستعماريَّة عام 1967 أو ما سُمِّي حرب النكسة لِيحتلَّ الكيان الصهيوني أجزاء من مصر والأردن وسوريا ولبنان ويتوسَّع في الضفَّة الغربيَّة، ويسيطر على القدس الشريف، فمضى المشروع الاستيطاني في أربعينيَّته الأولى قُدمًا للأمام رغم تحقيق انتصار عربي في عام 1973م، لكن تغلغل الصهاينة في النظام الرَّسمي العربي عَبْرَ مساندة الدَّاعمين الدوليِّين وانفراط عَقد العرب بعد توقيع اتفاقيَّة كامب ديفيد الإطاريَّة مع أكبر دَولة عربيَّة عام 1978م، حيث فصّلت فصولها وبنودها في اتفاقيَّة السَّلام عام 1979م، ومِنْها بدأ أوَّل انفراط للعقد العربي وحدث أكبر اختراق للنِّظام الرَّسمي العربي فحدَث تحوُّل في الصراع وتبدُّل عنوان «الصراع العربي الصهيوني» تلاه اتفاقيَّات أخرى مع عدَّة دوَل عربيَّة هي اليوم تعاني من هذا الانتهاك للسِّيادة الوطنيَّة. وهنا قَدْ نجح الكيان الصهيوني وقوى الاستعمار من تجريد القضيَّة من محيطها العربي بعد تقهقر النِّظام الرَّسمي العربي وانهيار وحدته بعد اتفاقيَّة كامب ديفيد، ومن هذه الخلفيَّة التاريخيَّة يتبَيَّن أنَّ الكيان الصهيوني إنَّما يُمثِّل في حقيقته مشروعًا استيطانيًّا غربيًّا، وقاعدة استعماريَّة متقدِّمة تحافظ على حقبة الاستعمار في الوطن العربي.خريطة «إسرائيل» وعلَمها والإشارة إلى حدودها من النِّيل إلى الفرات تُعبِّر عن أطماعها التوسعيَّة على حساب الدوَل العربيَّة، وهذه الأيديولوجيا الاستعماريَّة ينبغي أن تؤخذَ بعَيْن الاعتبار في التعامل العربي، وتستدركَ هذه الأنظمة خطورة تلك الاتفاقيَّات والتعاون الأمني والتجاري، والأخطر أنَّ دوَلًا أخرى تسير على هذا الاتِّجاه رغبة في تنفيذ مشاريع اقتصاديَّة وما يُسمَّى الاتَّفاقات الإبراهيميَّة. وهنا نذكِّر هذه الدوَل أنَّ كامب ديفيد الأولى وجميع الاتفاقيَّات الَّتي تبعتها لَمْ تُحقِّق لهذه الدوَل العربيَّة أيَّ تقدُّم إلى الأمام، والكيان الصهيوني ليس شريكًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا أو أمنيًّا، ولَنْ يحقِّقَ العرب معه إلَّا المخاطر على الأمن القومي وعلى الاقتصاد والحياة الاجتماعيَّة عمومًا، كما أنَّ بروتوكولات حكماء صهيون ودعوات قتل العرب متجذِّرة في العقليَّة الصهيونيَّة وتُدرَّس في المناهج الدراسيَّة لتغذية العداء والكراهيَّة والأحقاد ضدَّ العرب؛ لذا فإنَّ العرب المُغرمين بهذا الكيان يسيرون على حين غفلة نَحْوَ المجهول، فهل نتبع ما تسوِّقه أميركا بالتطبيع والتعاون مع كيان بني صهيون؟ أم نتبع ما ورَدَ في مُحكم آيات الذِّكْر الحكيم من كلام ربِّ العالَمين؟!النِّظام الرَّسمي العربي اليوم في مفصل من مفاصل التاريخ، ونحن اليوم نخوض أشدَّ معركة من معارك الوعي، يجِبُ أن ننتصرَ فيها ويجِبُ على النِّظام الرَّسمي العربي أن ينحازَ للخيار القومي ويتداركَ نَفْسه قَبل فوات الأوان؟! الكيان العربي ليس نظامًا حاكمًا فقط، بل هو الشَّعب العربي والأرض العربيَّة والهُوِيَّة والتاريخ والجغرافيا والمصير، وهو يُعبِّر عن مكتسبات هذه الأُمَّة الَّتي يجِبُ أن تحافظَ على وحدتها وتتجنَّبَ الأفكار المارقة الَّتي نسَفَت كُلَّ حقائق التاريخ، وتجاهلت قول الله سبحانه في مُحكم كتابه الكريم: «أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» نعم هذا كلام الله الَّذي يجِبُ أن نتمسَّكَ به، وليس وعود القوى الاستعماريَّة.العدوان البربري الَّذي استهدف الأبرياء من الأطفال والنِّساء والمَدنيِّين العُزَّل، والمذابح الَّتي نفَّذتها آلةُ البطش الصهيونيَّة حتَّى اليوم في انتهاكات سافرة كشفت حجم الطغيان والإجرام الصهيوني وقَدْ خلَّف ما يناهز 20000 شهيد و10000 تحت الأنقاض وأكثر من 52000 مصاب، جلُّهم من الأطفال والنِّساء في عدوان إرهابي لَمْ يسبقْ له مَثيل، مؤكِّدًا همجيَّة هذا الكيان الإرهابي المُجرِم. فأولئك الأطفال الأبرياء الَّذين تنهال عَلَيْهم مختلف أنواع القذائف وتتساقط عَلَيْهم الأبنية، نصفهم ما زال تحت الأنقاض يصرخ، حيث لا يوجد حتَّى معدَّات كافية لإخراجهم من تحت الأنقاض، في مشهد مأساوي يتكرَّر يوميًّا أمام العالَم وبنو جلدتهم من النِّظام الرَّسمي العربي يشاهدون تلك المذابح دُونَ حراك غابت عَنْهم الإنسانيَّة والعروبة والمروءة كيف نفسِّر ذلك التخاذل؟! فلله الأمْرُ من قَبل ومن بعد.طوفان الأقصى كشف مدى هشاشة كيان بني صهيون بما حقَّقه الأبطال في ساحات الشرف والكرامة، والَّذي خلخَلَ منظومة الأمن ونظريَّة القوَّة المزعومة فأكَّدت المقاومة أنَّ ما أُخذ بالقوَّة لَنْ يُستردَّ إلَّا بالقوَّة، وهذه ـ بلا شك ـ هي الجولة الأولى من الوعد الإلهي بالنَّصر والتمكين لهذه الأُمَّة الَّتي دكَّت معاقل الصهيونيَّة، فلَمْ يتمكَّن العدوُّ من تحقيق أيِّ نجاح يُذكر في هذه المواجهة. الله أكبر ولله العزَّة ولرسوله وللمؤمنين. خميس بن عبيد القطيطي[email protected]