مرَّة تلو الأخرى تؤكِّد سلطنة عُمان ثبات موقفها ورسوخه الدَّاعم للقضيَّة الفلسطينيَّة في كافَّة المحافل والمناسبات العالَميَّة والإقليميَّة؛ إيمانًا مِنْها بعدالة القضيَّة الفلسطينيَّة، وحقوق الشَّعب الفلسطينيِّ الثابتة القائمة على الحقِّ المشروع في إقامة دَولته المستقلَّة ذات السِّيادة، واستعادة كافَّة حقوقه المسلوبة، بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن والأُمم المُتَّحدة المتواترة منذ إعلان قرار التقسيم وحتَّى الآن، والَّتي تحرص سلطنة عُمان أنْ تكُونَ حاضرةً حتَّى خلال المناسبات غير السِّياسيَّة، مِثل اجتماعات النسخة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقيَّة الأُمم المُتَّحدة الإطاريَّة بشأن تغيُّر المناخ «COP28» الَّذي تستضيفه دَولة الإمارات العربيَّة المُتَّحدة، حيث حرصت بجانب استعراض المواقف البيئيَّة على إثبات موقفها الداعم للقضيَّة الفلسطينيَّة.
ولعلَّ تأكيد سعادة الدكتور عبدالله بن علي العمري رئيس هيئة البيئة، خلال كلمته في المؤتمر الدوليِّ، على عدم استقامة الحديث عن جهود الحفاظ على البيئة من أجْلِ الإنسان، في حين أنَّ الإنسان يتعرض للقتل الجماعيِّ والتهجير القسريِّ وبشكلٍ يوميٍّ في غزَّة، لا يُعبِّر هذا التأكيد عن ثبات الموقف العُماني الدَّاعم فحسب، وإنَّما أيضًا عن إقامة الحجَّة الدَّامغة بأنَّه لا يُمكِن التحدُّث عن تغيُّر المناخ بمعزل عن المآسي الإنسانيَّة الَّتي يعيشها سكَّان قِطاع غزَّة، حيث نزح نتيجة حرب الإبادة الجماعيَّة الَّتي يشنُّها كيان الاحتلال الصهيونيِّ أكثر من 1.7 مليون فلسطينيٍّ من منازلهم الَّتي أضحت ركامًا، وأصيب أو قُتل عشرات الآلاف في منطقة تقع في الخطوط الأماميَّة لتغيُّر المناخ، وتُشكِّل نموذجًا للمعاناة الَّتي ستعيشها الإنسانيَّة، إذا أصرَّت على مواصلة تدميرها لبيئة هذا الكوكب غير المحظوظ بمِثل هؤلاء المُدَمِّرين.
إنَّ الدَّمار الهائل الَّذي خلَّفته الحرب يجعل التهديدات البيئيَّة المتمثلة في ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائيِّ أكثر خطورة، فالشَّعب الفلسطينيُّ عمومًا، وسكَّان القِطاع على وجْهِ الخصوص يعيشون في ظلِّ كميَّة قليلة من المياه النظيفة والحدِّ الأدنى من الإمدادات الغذائيَّة، في حين تتسبَّب التهديدات المناخيَّة بتفاقم الخراب الَّذي تُحدِثه تلك الحرب؛ لذا فمناقشة الأوضاع البيئيَّة في تلك القمَّة العالَميَّة تفرض مناقشة للحرب الإرهابيَّة الصهيونيَّة، وما يستخدم فيها من أسلحة وذخائر محرَّمة دوليًّا، تترك آثارًا بيئيَّة ممتدَّة على الأراضي الفلسطينيَّة، فقَدْ تمَّ إلقاء آلاف الأطنان من كافَّة أنواع المواد المُدمِّرة خلال القصف الصهيونيِّ على قِطاع غزَّة منذ بدء العدوان، ونظرًا لِمَا تحويه تلك الأطنان من مواد كيميائيَّة، على رأسها الفسفور الأبيض، والَّتي وجدت طريقها إلى الأرض والجوِّ والمياه والطعام والبَشَر، ما يُعدُّ تدميرًا شاملًا للنِّظام البيئيِّ في قِطاع غزَّة، يجِبُ أنْ يُحاسَبَ العدوُّ الصهيونيُّ عَلَيْه. كما أنَّ الموقف العُمانيَّ الثابت من القضيَّة الفلسطينيَّة حرص ـ رغم العلاقات القويَّة مع الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة ـ على الإعراب عن الأسف والرفض لانحياز الإدارة الأميركيَّة واستخدامها حقَّ النقض أمام مشروع القرار الأُممي الدَّاعي لوقف إطلاق النَّار على قِطاع غزَّة، وإنقاذ الوضع الإنسانيِّ المتدهور، وإغاثة المَدنيِّين باحتياجاتهم المعيشيَّة والعلاجيَّة، رغم تحذير الأمين العامِّ للأُمم المُتَّحدة والمؤسَّسات الإنسانيَّة الدوليَّة حَوْلَ الأوضاع المعيشيَّة للشَّعب الفلسطينيِّ المحاصَر في قِطاع غزَّة، وانهيار قدرة وكالات الأُمم المُتَّحدة في القيام بواجباتها، الأمْرُ الَّذي يُنذر بسقوط النظام الدوليِّ في الاضطلاع بمسؤوليَّاته وفقًا لميثاق الأُمم المُتَّحدة، وجدَّدت سلطنة عُمان دعوتها بضرورة وقف اعتداءات كيان الاحتلال ومحاسبته على جرائم الحرب الَّتي يقترفها بحقِّ الشَّعب الفلسطينيِّ، وتقديم كُلِّ ما يحتاجه الفلسطينيون من إغاثة عاجلة ودعم صموده على أرضه، وتوفير الحماية اللازمة له من هذا العدوان الغاشم. ومن المؤكَّد أنَّ هذه المواقف العُمانيَّة المُشرِّفة تحظى بالتقدير الكبير في الداخل والخارج من قِبل الأحرار في هذا العالَم.