«ينال» عنوان رواية الكاتب العراقي أمجد توفيق، أكملت قراءتها في يوم واحد، وتمكَّن الروائي من جمع أهمِّ الموضوعات العراقيَّة خلال أكثر من عقدين في عمل واحد، فالمحاور الرئيسة يُمكِن تحديدها بـ(الاختطاف والاحتلال والتعذيب والتهديد بالقتل والهجرة والغربة والمعاناة اليوميَّة) وما يرتبط بتلك العناوين من تفرعات كثيرة.
كما في حياته اليوميَّة، يطرح أفكار شخصيَّاته بطريقة سلسة جدًّا، يفكِّرون بعُمق ويتصرَّفون بأناة، وأنا أكمل قراءة ثلث الرواية الأوَّل توقَّعتُ أنَّ الروائي قَدْ وقَع في مشكلة تتعلق ببناء الرواية، بطل الرواية (متقاعد ولدَيْه رواية واحدة) وبَيْنَما كان في زيارة لولده الَّذي يعيش في إسبانيا، يتعرف على عراقي «ينال» يمتلك منزرعة فخمة وقصرَا، يتبَيَّن أنَّه غادر العراق بعد أن تعرَّض للاختطاف والتعذيب والتهديد بالقتل، بسبب ترجمته لتقرير نشرته صحيفة أميركيَّة يتعرض لإحدى الجماعات المسلَّحة المهيمنة في العراق، وبثَّته الفضائية الَّتي يعمل بها، ورغم أنَّه لا يترجم خبرًا إلَّا بعد أخذ موافقة المسؤول في القناة إلَّا أنَّه تعرض للفصل، وبعد ذلك تم اختطافه وتعذيبه على خلفيَّة ذلك التقرير. وينال تاجر السَّلاح الَّذي يعمل مع جهات دوليَّة عديدة يقدِّم أوراقًا كتب ما جرى له لصديقه الجديد، ويبدأ بطل الرواية يسرد ما وجده في تلك الأوراق، هنا، اعتقدت أنَّ الروائي وقَع في تقنيَّة بنية الرواية؛ لأنَّ النَّص في غاية الإحكام، ولا يُمكِن أن يكُونَ قَدْ كتبَه إنسان بسيط، ثمَّ سرعان ما يعالج ذلك الكاتب بعد أن يشيرَ إلى أنَّ «ينال» اختصاصه في الترجمة، وأنَّه قارئ للأدب العالَمي. ولا يكتفي بذلك، ففي القِسم الثاني من المذكّرات الَّتي تحوَّلت إلى رواية يذكُر أنَّه أجرى تعديلات على النَّص، وبذلك فقَدْ أغلق الكاتب نافذة قَدْ يعدُّها البعض «ثغرة في تقنيَّة البناء الروائي».
في رواية «ينال» يقول الروائي والقاصُّ أمجد توفيق ما يريد أن يدليَ به عن بلده وما يعصف بناسه وكيف تشتد العواصف في مختلف أركان المُجتمع. إنَّه يقدِّم ببراعة روائيَّة رؤية اجتماعيَّة ونَفْسيَّة في ضوء إسقاطات سياسيَّة وارتدادات متعدِّدة، ولَمْ يتردَّد في توجيه انتقاداته لتسونامي العراق، الَّذي بدأ شديدًا وتتنوَّع شدَّته وقسوته بعد احتلال العراق في العام 2003.
حتَّى العراقي الَّذي أصبح مواطنًا فرنسيًّا أو إسبانيًّا «ينال» ويعيش حياة رخاء وبذخ وسط مزارعه وشركاته ونجاحاته ينهي حياته بطريقة حزينة «ينتحر» وينفِّذ خطَّة وضعها مسبقًا للانتحار، وأراد الكاتب أن يقولَ، بكُلِّ بساطة لَمْ يُشفَ «ينال» من جراحات تجربته القاسية نتيجة الاختطاف والتعذيب، وأنَّ الرخاء والثروة والرفاهيَّة لَمْ يتمكن من علاج تلك الندوب الغائرة عميقًا.
«ينال» رواية تؤرِّخ لحقبة حزينة ومؤلمة وقاسية من سنوات العراق.


وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]