لا شكَّ أنَّ دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق «حفظه الله» لزيارة روسيا الاتحاديَّة خلال العام 2024 والَّتي نقلها صاحب السُّموِّ السَّيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشَّباب خلال منتدى «روسيا تنادي» الاستثماري المنعقد في العاصمة موسكو ستكُونُ فرصة جيِّدة لتوسُّع وتوطيد العلاقات العُمانيَّة الروسيَّة، خصوصًا في الجانبَيْنِ السِّياسي والاقتصادي.
صحيح أنَّ العلاقات العُمانيَّة مع روسيا الحديثة في الجانب السِّياسي علاقات ليست قصيرة( )، لكنَّها ـ وبالرغم من ذلك ـ ما زالت محدودة من حيث التوسُّع في الجانبَيْنِ الاقتصادي والاستثمارات التبادليَّة، فهي ما زالت قائمة إلى حدٍّ بعيد على تجارة بعض السِّلع والمنتجات الصناعيَّة، بالإضافة إلى بعض الاستثمارات في قِطاع النفط والغاز.
على العموم ـ ومن وجهة نظري ـ ستبرز خلال الفترة القادمة أوراق رابحة عديدة لكلا الطرفيْنِ لتعزيز العلاقات والتبادلات بَيْنَهما في المجال الاقتصادي والاستثمارات الاعتماديَّة، خصوصًا أنَّ الفكر السِّياسي الاستراتيجي السَّائد في سلطنة عُمان الآن يسير في اتِّجاه توسيع شبكة العلاقات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة مع مختلف الوحدات السِّياسيَّة الدوليَّة ومن بَيْنَها روسيا والصين، وهو اتِّجاه مفيد للغاية، خصوصًا أنَّ توسُّع دائرة العلاقات والاعتمادات بَيْنَ الدوَل يخفّف من الضغوط السِّياسيَّة والاقتصاديَّة عَلَيْها في وقت الأزمات، كما أنَّه يساعد كثيرًا على تفكيك عوامل الارتهان، الأمْرُ الَّذي يجعلها دائمًا في موضع التهديد والابتزاز والشروط التعجيزيَّة.
كما تدرك روسيا بوتين أنَّ منطقة الخليج العربي عمومًا ـ ومن بَيْنِها سلطنة عُمان ـ تحتلُّ مكانة كبيرة في الاستراتيجيَّات العالَميَّة، سواء كان ذلك على المستوى التاريخي أو الاستراتيجي؛ لذا ستستمرُّ كذلك في المستقبل، ويعود ذلك بشكلٍ أساسي للقِيمة الَّتي تحتلُّها هذه المنطقة على المستوييْنِ الإقليمي والدولي بفعل الموقع الجغرافي، خصوصًا من الناحيتيْنِ الاستراتيجيَّة والجيوبوليتيكيَّة، وهي من عوامل الاستقطاب المُهمَّة لدى القوى العالَميَّة.
من جانب آخر وهو أمْرٌ مُهمٌّ للغاية ويجِبُ أن تحسبَ له القيادة العُمانيَّة العديد من الحسابات الاستراتيجيَّة في الجانبَيْنِ السِّياسي والاقتصادي، ويجِبُ أن تجيبَ عَلَيْه منذ الآن، أقصد أين سنكُونُ في العقد القادم من القرن الـ21؟ ومَنْ هي القوى الدوليَّة أو الشركاء الَّذين يجِبُ أن نختارَ لمشاركتهم الأزمات والتهديدات، بالإضافة إلى المكاسب والفرص؟ وبحسب وجهة نظري الشخصية، ستكُونُ الصين وروسيا من القوى الدوليَّة الَّتي ستتواجد بقوَّة في العقد القادم، الأمْرُ الَّذي يدفع باتِّجاه ضرورة توثيق العلاقات العُمانيَّة مع روسيا والصين بشكلٍ أكبر.
ولو تمَّ تسليط الضوء على الفرص العُمانيَّة الَّتي يُمكِن أن تكسبَها من العلاقات مع روسيا فهي عديدة ومختلفة، سواء في القِطاع الصناعي أو قِطاع التعدين والنفط والغاز كما سبق الإشارة إلى ذلك. ولكن أجد أنَّ استغلال الشراكة في القِطاع الزراعي من حيث إمكان الدفع بالاستثمارات الروسيَّة في هذا القِطاع، والاستفادة من الخبرات الروسيَّة في دعم القِطاع الزراعي العُماني ستكُونُ الفرصة والمكسب الأكبر. في الجانب الآخر يجِبُ الأخذ في الحسبان بأنَّ هذا التقارب كذلك سيكُونُ محلَّ نظر لدى القوى الكبرى مِثل الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة والَّتي تسعى بمختلف الطُّرق إلى تضييق الخناق على العلاقات والشراكات مع قوى مِثل روسيا والصين، لذا يجِبُ الاستعداد لمختلف أشكال الضغط السِّياسي.



محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @