في ظلِّ العدوان «الإسرائيلي» الأخير والمستمرِّ على قِطاع غزَّة، تأتي مُهمَّة تفعيل الحضور الفلسطيني والعربي في المُجتمع الدولي، وخصوصًا في ميدان الأُمم المُتَّحدة ومحكمة جرائم الحرب الدوليَّة، للضغط على دَولة الاحتلال، وإحالة ضبَّاطها لمحكمة الجنايات الدوليَّة، عسكر الاحتلال الَّذين أسهَموا بقتل المَدنيِّين الفلسطينيِّين، وارتكاب الجرائم غير المسبوقة بتاريخ البَشَريَّة الحديث والمعاصر.
تفعيل الدَّور العربي والفلسطيني على المستوى الدولي، ومواجهة العدوان غير المسبوق على القِطاع ومواطنيه المَدنيِّين من نساء وأطفال، فضلًا عن سياسة دَولة الاحتلال والقائمة على «الضمِّ» والتهويد وابتلاع الأرض الفلسطينيَّة في الضفَّة الغربيَّة. مسألة مُهمَّة وطنيَّة عربيَّة وفلسطينيَّة وإسلاميَّة، بالرغم من سطوة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيَّته اليهودي الصهيوني، ودعمها غير المحدود لدَولة الاحتلال في إطار مؤسَّسات المُجتمع الدولي.
إنَّ الهيئات الأُمميَّة الَّتي ترى بـ»حلِّ الدولتَيْنِ» حلًّا وحيدًا ومقبولًا ويستند إلى الشرعيَّة الأُمميَّة والقانون الدولي، وهو ما يضمن قيام دَولة فلسطينيَّة فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967، وحقَّ اللاجئين الفلسطينيِّين بالعودة وفق القرار الأُممي 194 الصَّادر عن الجمعيَّة العامَّة للأمم المُتَّحدة في 11/12/1948. هي المستهدفة من سياسة البطش والتعنُّت «الإسرائيليَّة» بشأن القضيَّة الفلسطينيَّة، ووضع العصي في «عجلات حلِّ الدولتَيْنِ».
وعَلَيْه، نقول، إنَّ المرحلة القادمة، وفي أُفقها المنظور، حبلى بالتطوُّرات السِّياسيَّة، وحتَّى الماديَّة على الأرض؛ لأنَّ دَولة الاحتلال وجيش الاحتلال، ومع العدوان الفاشي على قِطاع غزَّة، قَدْ وضع خططه (المُعلنة على كُلِّ حال) لإجراء مجموعة من العمليَّات على الأرض، بما فيها إعادة الاحتلال الكامل للمناطق (A) وتفتيت الحالة الفلسطينيَّة، ولا نستبعد أن نرى قوَّات الاحتلال وقَدْ قامت خلال المرحلة التاليَّة باجتياح كافَّة مناطق ومُدُن الضفَّة الغربيَّة كما حصل عام 2002، عِندما وصلت دبَّابات جيش الاحتلال إلى قلب المقاطعة في رام الله، وطوَّقت المبنى الَّذي تحصَّن وصمد داخله الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، واستطاع أن يُديرَ معركته واتِّصالاته السِّياسيَّة العربيَّة والأُمميَّة، وحتَّى معركته العسكريَّة من داخل تلك المساحة الضيِّقة إلى حين مرَضه واستشهاده بعد نقله إلى المشفى العسكري في باريس (مشفى بيلسي) في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004. إنَّ «إسرائيل»، وفي نهاية المطاف، لَنْ تنجحَ في فرض إرادتها على الشَّعب العربي الفلسطيني، ولا في تغيير الحقائق الجغرافيَّة والديموغرافيَّة والتاريخيَّة على أرض الواقع، مهما بلغت سطوتها أو قوَّة الدعم الأميركي المُقدَّم لها، وهذا ليس نبوءة بل تقديرات واقعيَّة في ظلِّ تكسُّر الطغاة وانهزام تجبُّرهم. فالشَّعب العربي الفلسطيني بكفاحه الدؤوب يستطيع أن يُفشلَ المُخطَّطات إيَّاها، وسيفشلها، مُقدِّمًا المزيد من التضحيات الَّتي لَمْ تتوقفْ منذ ما قَبل النَّكبة حتَّى الآن. وهنا على القوى الفلسطينيَّة جميعها أن تكُونَ في موقع الريادة، والوفاء لشَعبها، وأن تقتديَ بحركة الأسرى الَّذين صنعوا الوحدة الوطنيَّة من خلف قضبان سجون الاحتلال، لصالح إعادة بناء الوحدة الوطنيَّة، والعمل على كُلِّ المستويات في مواجهة الاحتلال.



علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]