حمل البيان الختاميُّ الَّذي صدر في ختام القمَّة الخليجيَّة الرابعة والأربعين، الَّتي عُقدت في العاصمة القطريَّة الدوحة، عدَّة رسائل مُهمَّة حَوْلَ القضيَّة الفلسطينيَّة عمومًا، وما يحدُث من عدوان سافر من كيان الاحتلال الصهيونيِّ على قِطاع غزَّة على وَجْه الخصوص، حيث أكَّد البيان على ثوابت الموقف الخليجيِّ الدَّاعم للقضيَّة الفلسطينيَّة والشَّعب الفلسطينيِّ، وفي ظلِّ التطوُّرات الرَّاهنة والعدوان الجاري، حيث شدَّد على ضرورة الوقف الفوريِّ لإطلاق النَّار والعمليَّات العسكريَّة الَّتي يشنُّها كيان الاحتلال الصهيونيِّ على قِطاع غزَّة، داعيًا إلى ضرورة ضمان توفير وصول كافَّة المساعدات الإنسانيَّة والإغاثيَّة، والاحتياجات الأساسيَّة، الَّتي يحتاجها سكَّان القِطاع، واستئناف عمل خطوط الكهرباء والمياه، والسَّماح بدخول الوقود والغذاء والدَّواء، وغيرها من الأساسيَّات الَّتي يحتاجها القِطاع بشكلٍ آنيٍّ.
ولعلَّ أبرز ما جاء في البيان الختاميِّ للقمَّة الخليجيَّة هو ذاك التحذير الصَّارم، الَّذي يحمل بَيْنَ السطور الكثير من التخوُّفات من مخاطر توسُّع المواجهات في فلسطين وامتداد رقعة الصراع إلى مناطق أخرى في الشَّرق الأوسط، ما لَمْ يتوقف العدوان الصهيونيُّ، ما سيفضي إلى عواقب وَخِيمة على شعوب المنطقة وعلى الأمن والسِّلم الدوليَّيْنِ، وهو تحذير مُهمٌّ يخرج من كيان له ثقل إقليميٌّ وعالميٌّ كبير، لا بُدَّ لكافَّة دوَل العالَم، خصوصًا الدوَل الدَّاعمة للكيان الصهيوني الاستماع له، حيث سيقود الجنون والإرهاب الصهيونيُّ المتواصل المنطقة نَحْوَ حربٍ شاملة، سوف تأكل الأخضر واليابس، وتقضي على ما تبقَّى من أمن واستقرار وسِلم في المنطقة، وسيترتَّب عَلَيْها آثار كارثيَّة سيدفع فاتورتها العالَم أجمع.
ومن هذا المنطلق على العالَم أجمع الاستماع بعناية للتحذير الخليجيِّ، والتدخُّل السَّريع لفرض وقف إطلاق النَّار على كيان الاحتلال الصهيونيِّ المتغطرس، وتحقيق حماية حقيقيَّة للمَدنيِّين الفلسطينيِّين في كافَّة الأراضي الفلسطينيَّة، وليس في قِطاع غزَّة فحسب. فهذا الوضع الكارثيُّ الَّذي وصل إليه قِطاع غزَّة المحاصَر؛ نتيجة حرب الإبادة الجماعيَّة الَّتي تَدُور رحاها في غزَّة، يُلزِم كافَّة القوَّة الدوليَّة والإقليميَّة بالعمل السَّريع لوقف التصعيد في غزَّة، ومنع استهداف المَدنيِّين الفلسطينيِّين وتهجيرهم قسريًّا، وإنهاء الحصار المفروض على القِطاع، ورفع المعاناة عن الشَّعب الفلسطينيِّ. لقَدْ آنَ الأوان أنْ يتحمَّلَ المُجتمع الدوليُّ مسؤوليَّته في التعامل مع هذه القضيَّة دُونَ ازدواجيَّة في المعايير، ودُونَ محاباة لهذا الكيان الاستعماريِّ الصهيونيِّ الَّذي يُخاطر بمستقبل المنطقة بأسْرِها من أجْلِ حسابات داخليَّة لحكومته المتطرِّفة.
لقَدْ عبَّر الموقف الخليجيُّ بوضوح عن مكامن خطورة استمرار هذا العدوان، ليس على الفلسطينيِّين والمنطقة فحسب، لكن عمَّا سيحمله من آثار سلبيَّة للعالَم أجمع، رافضًا بوضوح أيَّ مبرِّرات وذرائع لوصف العدوان الصهيونيِّ بأنَّه «دفاع عن النَّفْسِ»، مُطالِبًا بإنهاء الحصار الصهيونيِّ غير القانونيِّ والمخالف لقرار مجلس الأمن رقم 2417، بتاريخ 24 مايو 2018، الَّذي يُدين المنعَ غير القانونيِّ من إيصال المساعدات الإنسانيَّة، ويُدين استخدام تجويع المَدنيِّين كأسلوب من أساليب القتال، فهل يعي قادة العالَم هذا التحذير، ويسارعون إلى وقف شلَّال الدَّم الَّذي يسيل في الأراضي الفلسطينيَّة، ويعملون بشكلٍ عاجل على إيجاد حلٍّ سياسيٍّ جذريٍّ للقضيَّة الفلسطينيَّة، قائم على قرارات الشرعيَّة الدوليَّة، وإعلان دَولة فلسطينيَّة ذات سيادة كاملة عاصمتها القدس؟
لذلك فإنَّ ما يمنع توسَّع رقعة «الحرب» ليس الضَّغط على الأطراف الدَّاعمة للمقاومة الفلسطينيَّة، وتحذيرها من فتح جبهات جديدة، وإنَّما يتأتَّى ذلك بالضَّغط على العدوِّ الصهيونيِّ لوقف إرهابه على قِطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة.