عِندما تفكِّر في أقرب أصدقائك، مَنِ الَّذي يتبادر إلى ذهنك؟ ربَّما زميلك في الغرفة الجامعيَّة الَّذي اعتدت أن تثقَ به. ربَّما زميلك في العمل الأوَّل الَّذي كنتَ تستمع إليه وتضحك معه بعد كُلِّ اجتماع، أو الجار الَّذي لعبت معه عِندما كنتَ طفلًا. بغَضِّ النظر عن الطريقة الَّتي قابلتَ بها هؤلاء الأشخاص، فمن المحتمل أن يكُونَ لدَيْهم شيء رئيس مشترك: أنَّهم جميعًا في نَفْس عمرك! جميل أن يكُونَ أصدقاؤنا وزملاؤنا من نَفْس العمر، لكن ألا تعتقدَ أيضًا بأنَّ قضاء وقتنا مع مِثل هذه المجموعة الضيِّقة من النَّاس يُمكِن أن يغذِّيَ الفصل العمري ويعزلَنا؟ بل وأحيانًا يمنعنا من وجهات نظر الأجيال الأخرى ونقاط الاتِّصال الَّتي قَدْ تكُونُ مفاجئة. صحيح يُمكِن للأصدقاء الأصغر سنًّا أن يكونوا تذكيرًا لأنفُسنا في الماضي، ولكن من وجهة نظر أخرى ألا يُمكِنَ للأصدقاء الأكبر سنًّا تقديم لمحة عن المستقبل؟ إنَّ قضاء وقت ممتع مع شخص أكبر أو أصغر مِنْك بعقود من الزمن يُمكِن أن يزيلَ الضغط من أجْلِ التصرف حسب عمر الشَّخص! لذلك ربَّما من الجيِّد لنَا تكوين صداقات من الأجيال المختلفة.
بطبيعة الحال نجد أنَّ النَّاس يلتقون في المسجد أو كانوا جيرانًا، لكن أيضًا بالعمل وهو المكان الأكثر شيوعًا لبدء الصداقات بَيْنَ الأجيال. لا سِيَّما وأنَّ الكثير منَّا يقضي جزءًا كبيرًا من ساعات يقظتنا هناك. وعلى الرغم من أنَّ ذلك الإعداد الهرمي قَدْ يمنع الروابط في البداية، خصوصًا بَيْنَ الموظفين الصغار والكبار، إلَّا أنَّ الروابط يُمكِن أن تصبحَ أكثر مساواة مع مرور الوقت. وفي الواقع، تميل العلاقات بَيْنَ الأجيال إلى الإثراء المتبادل. فعلى سبيل المثال، البرامج الَّتي تديرها بعض المراكز الصيفيَّة أو المدارس خلال الإجازة المدرسيَّة، تسمح للصغار والكبار بقضاء بعض الوقت معًا، فتشهد جميع الأطراف تحسُّنًا في الصحَّة والسَّعادة. من ناحية أخرى، تكوين صداقات أصغر سنًّا يُمكِن أن يساعدَ كبار السِّن على إيجاد طُرق ذات معنى لقضاء فترة تقاعدهم، وقَدْ ينخرطون في الأعمال الاجتماعيَّة الَّتي يقودها الشَّباب. بل وقَدْ يجد الآخرون متعة في التعرض لأفكار جديدة. علاوةً على ذلك، نسمع كثيرًا كيف أنَّ الأفراد الأكبر سنًّا، يذكرون أنَّ أصدقاءهم الأصغر عمرًا ساعدوهم على الشعور بأنَّهم أصغر سنًّا. ولعلِّي أقول هنا بأنَّ هذه العلاقات، يُمكِنها مقاومة الصوَر النمطيَّة حَوْلَ الكيفيَّة الَّتي يجِبُ أن يتصرَّفَ بها كبار السِّن. فمثلًا أحد كبار السِّن كان يقول مازحًا: بأنَّه لا يريد مغادرة النَّادي الرياضي مبكرًا لمجرَّد أنَّه كبير بالسِّن، ولَمْ يكُنْ مضطرًّا إلى ذلك مع رفاقه الأصغر سنًّا! وهكذا الحال أيضًا بالأشخاص الأصغر سنًّا، فحديثهم وتحاورهم مع الأشخاص الَّذين عاشوا أحداثًا مناخيَّة خاصَّة بهم وتجاوزوها كثيرًا، ستعلِّمهم كيف أنَّه من الأسهل أن نرى أنَّ هناك ضوءًا في نهاية النَّفق. ألَسْتَ معي، بأنَّ ذلك الفرد الأصغر عمرًا وفي جميع علاقاته مع الأشخاص الأكبر سنًّا، يشعر أيضًا بحرية أكبر في مشاركة عناصر شخصيَّته الَّتي تغيَّرت. في حين أنَّ رفاقه في الكُلِّيَّة ـ مثلًا ـ يعرفون نسخة محدَّدة جدًّا مِنْه، وربَّما لَنْ يسمحوا له بالخروج من هذا الدَّوْر. في حين أنَّ أصدقاءه الأكبر سنًّا يدركون أنَّ النُّموَّ الشخصي هو مجرَّد جزء من الحياة. ختامًا، بلا شكٍ يقدِّم الأصدقاء الأكبر سنًّا أيضًا المزيد من الأمثلة على الشَّكل الَّذي يُمكِن أن يبدوَ عَلَيْه النُّمو والَّذي يحتاج أن يدركَه من حَوْلهم الأصغر سنًّا، وبالتَّالي هذا لا يحصر النَّاس في رؤية ضيِّقة للعالَم. وهنا بلا شكٍّ، يجِبُ أن نعيَ بأنَّ ذلك المُجتمع الَّذي يختلط بحُرِّيَّة أكبر عَبْرَ الأجيال سيكُونُ أقلَّ عزلة، وسيستفيد الجميع من ذلك. فليس من الضروري أن يكُونَ جميع أصدقائك في نَفْس العمر!


د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]