في زمن من الأزمان، أسرة تسكن في بلدة بدائية ساحلية، أغلب ما يجاورهم بيوت من العريش وبضع من الخيم، رقدت إلى جانب الطريق ذي التربة الصفراء الصبخة، بيوت عرشان تمر عليها نسائم الهواء مرة وتسعفها أيام الصيف مرات أخر، وإلى جانب هذه البيوت خور لمياه البحر. فرض الفطر البحري الأصفر اللون كنبات الذرة نفسه فوق هذه الأرض، وتناثر هناك وهو نبات ذو شكل هرمي مدبب أصفر اللون، وتتناثر على الجانب الآخر شجيرات نبات الهرم والأراك.

هنا يعيش الناس على ما تجود به الطبيعة، في يوم من الأيام أصيب أحد أبناء هذه الأسرة بمرض وأضحى طريح الفراش لأيام، مرت الأيام شديدة عليهم، قرر الابن الآخر للأسرة الذهاب إلى معلم في قرية نائية، يقرأ في (كتاب).
في يوم معربد قرر الابن الذهاب إلى تلك البلدة البعيدة للنظر في أمر أخيه، عند هذا المعلم، رجل عجوز صاحب إلتماعات، يعرف أمور شتى، رجل حكيم. سيرا على الأقدام مارا بطريق قفر، تحيط به أشجار مغسولة بالشمس، ما من أحد، ما من صوت، ظهيرة مسحورة ساكنة سكون عجائبي إلا من صوت طائر الرمل يُسمع من مكان قصي، ونعق البوم آتٍ من مكمن شجري عميق مجوف، تابع سيره على الأقدام، خبا النهار حين وصوله إلى وجهته.
بيت طيني بدائي عتيق له مدخل ونافذتان تنبئان عن سكون داخلها ضوء كهرماني خافت آت من آلة حديدية صدئة مغطاة بزجاجة، تسمى (صراي)...
الزائر :
السلام عليكم معلم، كيف الحال؟
المعلم:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولدي، الحمدلله بخير ونعمة ما شاكين بأس، كيف حالكم والأهل هناك في البلدة؟
الزائر:
الحمدلله أطياب، لكن يالوالد أنا جاينك في أمر أخي المريض، لم يجد معه دواء حتى الآن وهو طريح الفراش منذ أسبوع، قلنا نجي معك تكشف عنه في الكتاب.
المعلم :
إن شاء الله ولدي ما يهمك.
دقائق بعدها أخذ المعلم الكتاب من روزنة ذات تقويسة مزخرفٌ أعلاها بآي القرآن الكريم،.
أخذ المعلم الكتاب المغلف بقطعة قماش حفاضا عليه من تسربات السقف بمياه الأمطار ومن (الرِّمة) التي لا تبقي شيئا ولا تذر، كتاب ذو لون بندقي أوراقه من الرق المصقول القديم، فتح الكتاب وعليه الكثير من الرسومات والحروف والأرقام، كأنه مخطوطة أثرية قديمة، فتح المعلم الكتاب وتمعن فيه وأخذ وقته فيه، والزائر بانتظاره. فجأة سُحب لون وجه المعلم من هول ما وجد، لاحظ الزائر تغير لون المعلم فيما رأى، ولكن كلاهما لم ينبتا ببنت شفه، بعد انتهاء المعلم من الكشف في الكتاب، أخبر الزائر أن لا بأس لا تخف على أخيك هي حمى وستغادره.
وقال المعلم في نفسه هذه العبارة (كيف ميت جاي ينشد عن حي)... كيف لمن هو أقرب للمنية يأتي سائلا عن من العمر لازال أمامه، مرت الأيام وعادت للأخ صحته وعافيته، وتوفي الزائر.
مع هذه القصة والراوي وسامعيها تقوس الليل، وعتمت البلدة البكر، وبعثت الأشجار رائحة نفاذة، تلمس الابن طريقه عائدا، خلا الطريق من المارة وقت المغرب، ذلك الطريق الذي يعبق برائحة الليل والعودة، والقمر يومض منعكسا على أشجار الأراك والغاف، فتدفقت السكينة مع هذا الهدوء..


فتحية الفجرية
كاتبة عمانية