ليس بمقدور أحَد استشراف مستقبل الذَّكاء الاصطناعي، والمقصود هنا ما سوف يشهده هذا القِطاع الهائل من تطوُّر وانتقالات متسارعة، ومنذ انطلاقته الأولى في العام 1956 لَمْ يشهد الذَّكاء الاصطناعي مِثل هذه القفزات الكبيرة، في كُلِّ يوم يتفاجأ العالَم بجديد، جميع مناحي الحياة طرق أبوابها هذا الكائن العملاق، وخلال فترة وجيزة انتشر الروبوت التوليدي حتَّى أنَّ الإلمام بها جميعًا أصبح أمرًا مستحيلًا رغم تربع (جات جي بي تي) على العرش منافسًا خطيرًا لعملاق البحث جوجل من شركة ألفا بيت، وبَيْنَما حقَّق هذا الروبوت التوليدي رقمًا قياسيًّا في عدد تحميلاته واستخدامه، إذ تجاوز العدد خلال أسبوع المئة مليون مستخدم، إلَّا أنَ مواقع الذَّكاء الاصطناعي الأخرى شهدت هي الأخرى إقبالًا متزايدًا، ويتوقع الخبراء استمرار الإقبال على هذا الحقل العلمي والمعرفي كلما ازدادت معرفة النَّاس باستخدامه واعتادوا عَلَيْه، وفي الوقت نَفْسِه شهد الكثير من المواقع تراجعًا في خدماتها والَّتي أصبح الذَّكاء الاصطناعي يضطلع بها على نطاق واسع وبسهولة كبيرة وبتكلفة أقل بكثير.
توقَّع العديد من المختصِّين في عالَم الإنترنت أن يكُونَ القرن الحادي والعشرون «قرنًا خاصًّا بالذَّكاء الاصطناعي» وفي المقدِّمة مِنْهم مؤسِّس مايكروسوفت بيل جيتس وغيره، ورغم بروز أصوات تحذر من خطورة هذا العملاق، خصوصًا فيما يتعلق بقضيَّة إزاحة الكثير من المهن وتقليص الفرص في سُوق العمل، إلَّا أنَّ هذه المخاوف وما صاحبها من تحذيرات ومحاولات للغوص في أعماقها لَمْ تتمكن من تقليل حجم الانبهار بالتطوُّرات الهائلة والمتسارعة في عالَم الذَّكاء الاصطناعي، وبَيْنَما شهد أصحاب الرأي القائل بغزو إيجابي في حياتنا من قِبل الذَّكاء الاصطناعي تأييدًا واسعًا، فإنَّ أصحاب الرأي الآخر جوبهوا بمَنْ يذكّر بأنَّ المخاوف صاحبت التطوُّرات الَّتي شهدتها الثَّورة الصناعيَّة منذ انطلاقتها، وازدادت المخاوف في عصر الأتمتة حيث سادت مخاوف من إزاحة الكثير من المِهن بعد أن دخلت الآلة سُوق الصناعة والعمل، لكن اكتشف الكثيرون أنَّ دخول الآلة وانتشار المصانع أتاح المزيد من فرص العمل بعد أن أصبحَ طرق أبواب الصناعة بمختلف أنواعها أمرًا في غاية السهولة، وهكذا الحال بالنسبة للذَّكاء الاصطناعي، فبَيْنَما يؤكِّد الخبراء أنَّ السنوات المقبلة ستشهد القضاء على أكثر من ثلاثمئة مليون وظيفة، يرى آخرون أنَّ حقولًا واسعة أخرى ستفتح أبوابها لاستقبال العاملين في تخصُّصات عديدة، وما يؤكِّد ذلك أنَّ الذَّكاء الاصطناعي يمنح فرصًا كثيرة في حقول الكتابة وإنتاج الفيديوهات وإطلاق قنوات بتقنيَّات عالية وبقدرات قليلة جدًّا، وثمَّة ميادين أخرى كثيرة يفتحها الذَّكاء الاصطناعي أمام الكثيرين.
لَنْ يتوقفَ الجدل والنقاش حَوْلَ مستقبل البَشَريَّة وهي التطوُّرات الَّتي ستحصل وما هي الأخطار الَّتي تدهم حياتنا، بعضها تأتي بالتدريج والبعض دُونَ سابق إنذار، لكنَّ المُهمَّ في كُلِّ ذلك أن لا يتوقف الجميع عن استثمار الفرص وعدم الانتظار على قارعة المتغيِّرات الكبيرة في مختلف مناحي الحياة.


وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]