السادس عشر: الإضاءة الأخيرة.
أعمال المؤسَّسة الشورويَّة، من دراسات وتقارير وأوراق عمل ومذكّرات... بتناولها لشتَّى الملفات والقضايا الوطنيَّة، ومناقشات أعضائها مع الوزراء والمسؤولين والخبراء والمواطنين، وملاحظاته وتوصياته ـ أي مجلس الشورى ـ على مشروعات الخطط الخمسيَّة والميزانيَّات العامَّة السنويَّة والقوانين والاتفاقيَّات وتقارير جهاز الرقابة... وتفعيله للأدوات الَّتي يمتلكها المجلس مِثل «طلبات المناقشة والأسئلة البرلمانيَّة والإحاطة والرغبة...»، تُشكِّل في مجملها ثروة معلوماتيَّة ضخمة ومكسبًا وطنيًّا عالي القِيمة، ينبغي استثمارها والكشف عَنْها وجمعها وتصنيفها وفقًا لكُلِّ موضوع وتخصُّص، وتوثيقها في موسوعة تحمل عنوان «دراسات الشورى»، لِتكُونَ شاهدًا على إنجازاته وجهوده ومبادراته ومحتوى أعماله، وتعبيرًا عن الوفاء والتقدير وسيرة طيِّبة لمئات من الشخصيَّات البارزة الَّتي خدمت الوطن عَبْرَ فضاء الشورى، من رؤساء ونوَّابهم وأعضاء وأمناء عامِّين وموظفي أمانته العامَّة، تعرف بأفكارهم ورؤيتهم وملاحظاتهم ومحتوى نقاشاتهم في مختلف الموضوعات الَّتي تمَّ تناولها، ولأنَّها، كذلك، سوف تؤرِّخ وتوثِّق لمحطَّات مُهمَّة من مَسيرة نهضة عُمان الحديثة، ومراحل التطوُّرات والتحوُّلات الَّتي شهدتها ثقافة وتقاليد المُجتمع وأنماط حياته في جوانبها المُتعدِّدة، والبنى التحتيَّة والقِطاعات الحيويَّة كالتعليم والصحَّة والخدمات والأنشطة الاقتصاديَّة، ومَسيرة صلاحيَّات وأداء وممارسات الشورى عَبْرَ أربعة عقود. وأخيرًا، فإنَّ جمع وتوثيق تلك الدِّراسات في موسوعة واحدة سوف تصبح مرجعًا مُهمًّا ومصدرًا معتمدًا يخدم الباحثين والمهتمِّين والمطَّلعين، وتُغني المكتبات وتُصبح معينًا لأصحاب الرسالات العلميَّة في المجالات الَّتي تحتويها... إنَّ ما أفصحت عَنْه سلسلة المقالات الـ»15»، الَّتي نشرتها هذه الجريدة الغرَّاء «الوطن» تباعًا، خلال الأشهر الماضية، بعنوان «من دراسات الشورى»، ما هي إلَّا قليل من كثير ونموذج بسيط وإضاءة سريعة لإنجازات وأعمال المجلس. ففي كتابي «صفحات من الشورى.. ذكريات ثلاثة عقود...»، تحدَّثتُ ـ على سبيل المثال ـ عن أعمال ندوة «تبسيط الإجراءات الإداريَّة في الدَّولة»، الَّتي نظَّم جلساتها مجلس الشورى، بمباركة سامية وذلك خلال الفترة من 27 مايو إلى الأوَّل من يونيو 2000، وكان من بَيْنِ أهمِّ أهدافها «إصلاح وتطوير القِطاع الإداري، وشارك في أعمالها خبراء من مؤسَّسات عربيَّة ودوليَّة إلى جانب عددٍ من مؤسَّسات الدَّولة والمسؤولين فيها بلغ عددهم مئة وعشرة، واشتقَّت المحاور الرئيسة للنَّدوة من أهدافها العامَّة، فاستقرَّت في أربعة محاور، هي: القِطاع الاقتصادي وجذب الاستثمار ـ قِطاع الخدمات والمرافق العامَّة ـ الإطاران التنظيمي والتشريعي ودَوْرهما في تبسيط الإجراءات وسرعة إنجاز المعاملات ـ وأخيرًا نماذج لتطبيقات معاصرة نجحت في تبسيط الإجراءات الإداريَّة وإنجاز المعاملات. وبلغ عددُ البحوث المقدَّمة للنَّدوة أحد عشر بحثًا وتسعة تعقيبات مكتوبة وعشر أوراق عمل غطَّت المحاور الرئيسة وشكَّلت أساسًا للمناقشات والمحاورات خلال الجلسات. ورفعت توصياتها إلى السُّلطان في مجالات التطوير الإداري الشامل ـ مراجعة وتحديث القوانين ـ تحسين نُظُم العمل وتطوير الممارسات الإداريَّة ـ توظيف التقنيَّات الحديثة لِنُظُم المعلومات واستخدامها في تبسيط الإجراءات وسرعة إنجاز المعاملات. فهل تمَّت الاستفادة من توصياتها...؟ أشكُّ في ذلك فما نراه ونعيشه من إشكاليَّات وأزمات تتعلق بهذه القضايا الوطنيَّة في الماضي والحاضر والَّتي من المتوقع أن تتواصلَ في المستقبل وفقًا للمؤشِّرات والقراءات تؤكِّد أنَّ الكثير من الجهود والأعمال والدِّراسات والتوصيات والنَّدوات تذهب ـ للأسف ـ أدراج الرياح. واستعرض الكتاب بالتفصيل عددًا من المذكّرات وأوراق العمل والتقارير والدِّراسات الَّتي أعدَّها المجلس وترتبط بتقييم وتقويم أدائه، وعرض المعيقات والتحدِّيات الَّتي تواجه ممارساته البرلمانيَّة وآليَّات معالجتها، والمطالبة بصلاحيَّات موسَّعة، وإصلاح منظومة الهيكل الإداري وتعيين رئيس لمجلس الوزراء... ومناقشتها والتعليق عَلَيْها ومراجعتها ورفع بعضها إلى سُلطان البلاد أو نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، وأخرى للتداول والنقاش والتوجيه والتقويم داخل المجلس لفائدة رئيسه وأعضائه وأمانته العامَّة في الإدارة والنقاش والتعريف بنظام عمل المجلس... وهي جهود مضمَّنة في الكتاب بالأمثلة والنماذج والقراءات. الدِّراسات والتوصيات، كذلك، تناولت ملفات وموضوعات هي من الزخم بحيث يصعب الإحاطة بها في هذه السلسلة، من بَيْنِها ـ على سبيل المثال لا الحصر: «حوادث السَّير والآثار الناجمة عَنْها والأساليب الَّتي تحدُّ مِنْها ـ تنظيم سباقات دَوْريَّة للهجن العربيَّة الأصيلة ـ إحلال قانون للإجراءات التجاريَّة محلَّ نظام نظر الدعوى وطلبات التحكيم أمام هيئة حسم المنازعات التجاريَّة ـ إنشاء الطُّرق البديلة ووسائل تمويلها ـ أضرار حفر الآبار الاستكشافيَّة بالقرب من أُمَّهات الأفلاج ـ حماية مصادر مياه الشرب من التلوُّث ـ الرعاية الاجتماعيَّة للمعوقين وتطوير الخطط وتنسيق الجهود الحكوميَّة والأهليَّة الخاصَّة بها ـ تنظيم وتوحيد القضاء على أُسُس حديثة في إطار سياسات تطوير استراتيجيَّة الدَّولة ـ فريضة الزكاة وتحديث قواعد وأساليب تطبيقها ـ الاستراتيجيَّة الوطنيَّة لحماية البيئة ـ السِّياسات الوطنيَّة للسكَّان ـ أوضاع منطقة الكثبان الرمليَّة بولاية بوشر ـ واقع ذوي الإعاقة في السَّلطنة...». لقَدْ دأب مجلس الشورى كذلك، على التذكير والتنبيه والتأكيد مرارًا وتكرارًا بالعديد من الموضوعات المُهمَّة والحيويَّة ذات العلاقة بجودة الصحَّة والتعليم وهيكلة وصلابة البنية التحتيَّة والخدمات والتوسُّع في شبكاتها والعناية بالمواهب ورعاية كُلِّ ما من شأنه تطوُّر عُمان وتنمية قِطاعاتها ومواردها المُتعدِّدة، ورفع الأجور وتحسين معيشة المواطنين وتوفير الوظائف للعُمانيِّين وإصلاح الشركات الحكوميَّة ومعالجة أوضاعها ومراجعة القوانين والتشريعات بما يواكب التوسُّع الَّذي تشهده البلاد ويُحقِّق تطلعات المواطن، والتنبيه إلى ارتفاع «رسوم التأمين على المَركبات، وتباين «فواتير تحصيل خدمة الكهرباء...» وكُلُّ تلك الجهود موثَّقة في أرشفة المجلس وملفاته ووثائقه، فهل استفادت الجهات الحكوميَّة ومسؤولوها من هذا الجهد الكبير؟ إنَّ المشكلات الَّتي تتفاقم وتتشابك، والسّخط والإحباط الَّذي يسود فضاء الإعلام الإلكتروني وما تنبَّأت به دراسات المجلس يشير إلى أنَّ الاستفادة والمراجعة لتوصيات ودراسات المجلس ومرئيَّاته كانت متواضعة، وأنَّ مُعْظم تلك الجهود حفظت فنسيت في الأدراج، وأنَّ مصطلح «الشراكة» الَّذي تُعلن عَنْه الرؤى والخطط ووسائل الإعلام الرسميَّة أقرب إلى التنظير مِنْه إلى التعاون العميق في كُلِّ ما من شأنه تحقيق الصالح العامِّ.



سعود بن علي الحارثي
[email protected]