أيها الأحباب.. إتماما لما بدأناه في الحلقة الماضية حول عجائب قدر الله تعالى في نصره المظلومين، خاصة عند صبرهم وجلدهم وتحملهم، وقد كان آخر مثل ضرباه في نصرة الله تعالى لرسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) على الأحزاب، وإرساله سبحانه وتعالى عليهم ريحًا وجنودًا لم يراها المؤمنون، أخذتهم فلم تفلتهم حتى أجلتهم عن المدينة، وفي هذا عبرة وعظة لمن تأخذه هيمنته على الناس بقوة سلاحه، فالله تعالى قادر على أن يدمره بدعوة مظلوم، ويهزمه بجند من عنده من حيث لا يحتسب، ومن يظلم من غيره، فلا يظن أبدًا أن الله تعالى غافل عن ذلك، فلن يهمل الله شيئًا أو أن يتركه، كلا والله بل إنه سبحانه يمهل ولا يهمل حتى وإن تركهم ليوم الحساب، أصيب بظلم باللسان فيصبر وهو مظلوم، فلاشك أن دعاءه دواء لهذا الظلم الذي جرح قلبه وشق عليه، فقد (روى الطبراني بسندٍ رِجالُهُ رجالُ الصحيح: أن رجلاً نالَ من عليٍّ ـ رضي الله عنه ـ فنهاهُ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، فلم ينتَهِ عن ذلك، فقال سعدٌ: أدعُو الله ـ جلَّ وعلا ـ عليك، فدعَا عليه، فما برِحَ حتى جاءَ بعيرٌ نادٌّ فخبَطَه حتى ماتَ) (سير أعلام النبلاء 1/‏ 115 - 116)، وقال ابن المسيب: (إن رجلاً كان يقع في علي وطلحة والزبير، كما جاء في كتاب (الإصابة في الذب عن الصحابة ـ رضي الله عنهم، ص: 320) (أقبل سعد من أرض له، فإذا الناس عكوفًا على رجل، فاطلع فإذا هو يسب طلحة والزبير وعليًّا، فنهاه فكأنما زاده إغراء، فقال: ويلك ما تريد إلى أن تسب أقوامًا هم خير منك لتنتهين أو لأدعونّ عليك، فقال: هيه فكأنما تخوفني نبيًا من الأنبياء، فانطلق فدخل دارًا فتوضأ ودخل المسجد ثم قال: اللهم إن كان هذا قد سبَّ أقوامًا قد سبق لهم منك خير أسخطك سبه إياهم فأرني اليوم به آية تكون آية للمؤمنين، قال: وتخرج بختية ـ الأنثى من الجمال ـ من دار بني فلان، نادّة لا يردها شيء حتى تنتهي إليه، ويتفرق الناس عنه، فتجعله بين قوائمها فتطأه حتى طفئ، قال: فأنا رأيته يتبعه الناس ويقولون: استجاب الله لك أبا إسحاق، استجاب الله لك أبا إسحاق)، وعن قبيصة بن جابر قال:(قال ابن عم لنا يوم القادسية: ألم تر أن الله أنزل نصره.. وسعد بباب القادسية معصم.. فأبنا وقد آمت نساؤنا.. ونسوة سعد ليس فيهن أيم. فلما بلغ سعدًا قال: اللهم اقطع عني لسانه ويده، فجاءت نشابة أصابته فاه خرس، ثم قطعت يده في القتال) هكذا في كتاب (من عجائب الدعاء، الجزء الأول، ص: 49)، وكذلك من يتطاول على الناس بيده ظلمًا وعدوانًا، يبسط يده بالسوء والمظلوم لا يقوى على رد الظلم فالعلاج في الدعاء والله يحقق الرجاء، ففي (صفة الصفوة 2/‏ 177) وأوردَه أبو نُعيمٍ في الحلية، وابنُ الجوزي في بعضِ كُتبه:(عن إبراهيم بن إسماعيل قال: كان بين سُليمان التيميَّ العابِدَ الحافظَ وبين رجلٍ شيءٌ، فنازعَه فتناولَ الرجلُ سُليمان فغمَزَ بطنَه، فدعا عليه سُليمانُ فجفَّت يدُ الرجلِ)،
وورد (أن مالكَ بن دينارٍ الزاهدَ العابِدَ حُمَّ أيامًا ـ أي: وجَدَ حرارةً في بدنه ـ ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته، فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ، فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا ـ أي: ضرَبَني أسواطًا ـ كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى. فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ، فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعة يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ)، ومن سلب أو سرق أو نهب منه شيء على غير إرادته ووقع به في دائرة الظلم، فالدواء السديد في دعاء ذي البطش الشديد الفعال لما يريد، فمن له غير الله، ينبغي أن يستغيث بالله لأن الدعاء يشمل الاستغاثة، فالاستغاثة لا تكون إلا في الضيق والكرب وطلب الغوث وتفريج الكربة وتفريج الشدائد، والدعاء يكون في الكرب وغيره فكل استغاثة دعاء، فمن الاستغاثة (إلحاح النبي (صلى الله عليه وسلم) في الدعاء يوم بدر في العريش حين رأى شوكة الأعداء وخيلهم وخيلاءهم) (فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد، ص: 238).. وللحديث بقية.



محمود عدلي الشريف
[email protected]