انتهت الجولة الواسعة من العدوان على القِطاع بـ»تهدئة» أو «هدنة» أو تفاهمات، ولْنُسمِّها ما نشاء، وذلك بعد خمسين يومًا من قيام ما يُسمَّى بـ»الجيش الرابع» في العالَم باستهداف شَعبٍ أعزل ومقاومة تقاتل بإمكاناتها المتواضعة قياسًا لإمكانات جيش الاحتلال التسليحيَّة والتقنيَّة واللوجستيَّة. انتهت الجولة، لكنَّ طبول الحرب ما زالت تَدُقُّ في «إسرائيل» مع دعوات المُتطرفين وغلاتهم، وحتَّى من غالبيَّة أطراف ما يُسمَّى «يمين الوسط» وحتَّى شراذم ما يُسمِّيه البعض بـ»اليسار الإسرائيلي» من أجْل العودة إلى الاستهداف الجوِّي والاستخدام المُفرط للقوَّة ضدَّ قِطاع غزَّة، والشَّعب الفلسطيني الصَّامد على أرض وطنه. والمُثير، والمُضحك في الوقت نَفْسِه، أنَّ ما يُسمِّيه قادة جيش الاحتلال بـ»بنك الأهداف» تبَيَّنَ من خلال خمسين يومًا من العدوان المُنفلت في جنونه، بأنَّه ليس سوى المَدنيِّين من الأطفال والنِّساء وكبار السِّن، والأحياء السكنيَّة، والبنى التحتيَّة وغيرها، ومحطَّات الطَّاقة والمشافي، في أعمال يندى لها جبين الإنسانيَّة، وستبقى وصمة عار في تاريخ البَشَريَّة، لِمَن سانَدَ ودعمَ كيان الاحتلال. أمَّا الجزء الآخر، (المُضمر/المُعلن) في «بنك الأهداف» «الإسرائيليَّة»، فقَدْ حدَّده نتنياهو شخصيًّا ومعه قادة الأذرع الأمنيَّة الثلاثة في دَولة الاحتلال، وفق المعلومات الَّتي جرى تسريبها: (الموساد/المخابرات الخارجيَّة+ الشين بيت/الشاباك الأمن الداخلي+ آمان/المخابرات العسكريَّة)، وتضمَّن عددًا من قادة العمل الوطني الفلسطيني في قِطاع غزَّة وخارج القِطاع، من مختلف القوى، وخصوصًا من حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشَّعبيَّة لتحرير فلسطين.... بنك الأهداف «الإسرائيلي» وضع الشهيد الحي خالد مشعل (أبو الوليد) في قائمة الاستهداف، أبو الوليد ابن بلدة سلواد المقدسيَّة، الخطيب المفوَّه، صاحب الرؤية، الَّذي لَمْ تَنل له قناة رغم الفترات الصَّعبة الَّتي مرَّت خلال العقد الأخير، وكان على الدوام صاحب الكاريزما النشطة بأدائه الوطني العامِّ، وروحه الوحدويَّة، وقيادته لحركة حماس في ظروفٍ صعبة، وفي دَوْره الكبير في تعزيز وبناء قدرات المقاومة على الصمود في المواجهات الكبرى الَّتي تمَّت، ومِنْها ملحمة غزَّة الأخيرة. ويقع القائد إسماعيل هنية (أبو العبد) في القائمة إيَّاها، وهو اللاجئ الفلسطيني، الغيور، ابن مُخيَّم جباليا، القائد الشَّعبي بَيْنَ النَّاس في القِطاع. كما ويأتي في القائمة إيَّاها صالح العاروري، الَّذي قاد في سنواتٍ ماضية العمل الميداني في الضفَّة الغربيَّة. والأمْرُ نَفْسه مع القائدَيْنِ اللَّذَيْنِ كانا يعملان بصَمْتٍ، وهما: يحيى إبراهيم السنوار (أبو إبراهيم) الفلسطيني اللاجئ من بلدة المجدل المحتلَّة عام 1948، ونزيل سجون ومعتقلات الاحتلال لسنوات طويلة، إنَّه المناضل الشَّعبي، البسيط، النَّزيه، الصَّامد على أرض القِطاع. والشهيد الحي محمد الضيف قائد كتائب الشهيد عز الدِّين القسَّام فخر العزَّة الوطنيَّة لشَعبنا، القائد المُقعد الَّذي أسهَم مع الجميع تخطيطًا وعملًا. وبالطبع فإنَّ الإخوة في حركة الجهاد الإسلامي، في قائمة الاستهداف، وعلى رأسهم زياد نخالة (أبو طارق)، من مدرسة الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي والدكتور رمضان شلح، وهو الفدائي المُندفع في أوج فتوَّته وشبابه منذ قوَّات التحرير الشَّعبيَّة وجيش التحرير الفلسطيني في قِطاع غزَّة بعد احتلاله عام 1967، ابن حي الشجاعيَّة في غزَّة العزَّة، وهو الشهيد الحي بعد أن تعرَّضَ لعدَّة محاولات اغتيال. والأمْرُ ذاته مع أكرم العجوري، الذي أعلنت الإدارة الأميركيَّة إضافته لقوائم ما تُسمِّيه زورًا وبهتانًا بقائمة «الإرهاب» كما كانت تتعامل مع نيلسون مانديلا بطل الكفاح ضدَّ التمييز العنصري، والَّذي خرج بعد ربع قرن من السجون بعد انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا فتحوّل إلى أيقونة كفاحيَّة في العالَم بأسْرِه.




علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]