أحرص في السبت الأخير من كل شهر أن أحضر إلى خيام الأعراس في مدينة طاقة، حيث تنصب خيام العرسان بلونها الأبيض الناصع مقابل حديقة طاقة العامة، تزدان بها مواقف الحديقة، ويصبح المكان ساحة لمناسك الواجب يحج إليه المهنئون من المدينة والجبل والنجد ومن أماكن كثيرة أخرى، يأتون طواعية، يطوفون بين خيام الأفراح المختلفة، يهنئون العرسان وأقاربهم، ويضع كل مهنئ مبلغا من المال لا يقل عن عشرة ريالات فأعلى في شنطة (المغبور)، إنه يوم الزينة الذي يجمع الناس من وقت الضحى إلى ما بعد الظهيرة.
وهي عادة اجتماعية فريدة تنفرد بها محافظة ظفار دون سائر مناطق العالم، يتدافع الناس كبارا وصغارا لكي يساعدوا العرسان ويشاركونهم فرحتهم، يلبس كل عريس فاخر الثياب ويتمنطق خنجرا مضببا بالفضة يجلس العريس في صدر الخيمة على كرسي مميز وعن يمينه والده أو من يمثله وعن شماله أهل العروسة. يتقدم المهنئون في طوابير منتظمة فيسلمون على العريس وأهله والمهنئين السابقين، وبعد أن يتلقوا واجب الضيافة من الحلوى والقهوة والفاكهة، يستأذنون بعد أن يمروا بطاولة المغبور التي غالبا ما تكون بالقرب من مخرج الخيمة، يضع كل مهنيء مبلغا حسب ظروفه ووفقا لما تسمح به ميزانيته، ويحرص الجميع أن يضعوا ميزانية خاصة لهذه المناسبة التي تتكرر كل شهر ولا يقل عدد الأعراس بمدينة طاقة في السبت الأخير من كل شهر عن 10 أعراس وأحيانا يتجاوز عددها هذا بكثير، و يتراوح المبلغ الذي يحصل عليه العريس الواحد من 8 آلاف ريال إلى عشرين ألف أو أكثر؛ فتتحول المناسبة إلى مهرجان للتكافل الاجتماعي ولقاء الأحبة وتزاور الأرحام والأصدقاء.
إنه يوم البهجة والأفراح، ترى الجميع مبتسمين، يمارسون السخاء والكرم والعطاء، ويشعرون بذلك في نفوسهم ويلمسون أثره وبركته في صحتهم وفي زيادة رزقهم وهم يتلقون الامتنان والشكر من العرسان الذي يجدون في هذه المؤازرة تفريجا لهمومهم وقضاء لديونهم وتعويضا مجزيا عما يتكبدون من تكاليف ونفقات.
وهناك وجوه كثيرة صارت معروفة، يتناقل الناس حرصهم الدائم على حضور جميع الأعراس والإسهام المالي فيها لكل عريس بصرف النظر عن قرابة نسبه منه، أو بعده، ومن أبرز أعلام حضور الأعراس الشيخ حسن مسلم علي خينان المعشني، الشيخ الثمانيني الذي يتكبد مشقة الطريق لكونه لا يسوق السيارات، فيضطر أحيانا أن يسير على قدميه حتى يجد من ينقله إلى مكان الأعراس، فيمشي بينها وهو يعاني المشقة بسبب عامل الصحة والتقدم في العمر، لكنه ينتصر على كل التحديات والمشاق لكي يهنئ كل عريس، ويساهم بما تسمح به ظروفه، ثم يختم مشواره بصلاة الظهر جماعة في أحد المساجد وعندما ينتهي من طوافه، يعود قافلا إلى بيته في (حوج) بمدينة الحق. إنه نموذج فريد للإنسان الذي يسخر حياته كلها لعمل الخير، وهو ليس بدعة في ذلك، فهو ينحدر من سلالة معروفة بالكرم، فقد كان أجداده يخصصون أماكن لإيواء الجياع منذ غابر السنين، وينصبون علامات يهتدي بها أبناء السبيل الذين كانوا يبحثون عن الإيواء والطعام. أفرح كثيرا عندما أرى الشيخ أبي محمد حسن مسلم علي خينان، وأقول في نفسي، اللهم لك الحمد والشكر، فمجتمعنا بخير طالما يحفل بهؤلاء الرجال الذين تذكر الله عندما تقابلهم وينتصر الكرم على الشح عندما تصادفهم وتشكر الله على وجودهم، فهم يعلموننا بمجرد أن نراهم ونتواصل معهم.

✱ المغبور مبلغ نقدي أو عيني يُقدمه أقارب و أصدقاء ومعارف العريس لمساعدته على تكاليف الزواج.


د ـ أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية