من المناسب ونحن نقرأ نص التقرير السِّياسي الدَوْري لهيئة علماء المُسلِمين في العراق أن نتوقفَ عِند دلالاته المفعمة بالتحليل والقراءة الاستباقيَّة لمسار معركة طوفان الأقصى، في محاولة لِفَهْم اتِّجاهاتها على ما حقَّقته في ميزان الصراع العربي ـ الصهيوني، وتصحيح مسار المعادلة الَّتي كانت على الدوام تميل لصالح الكيان الصهيوني المدعوم أميركيًّا.
وعِندما نتوقف عِند رصد ومتابعة هذا الحدث الَّذي قلَب موازين القوى بالمنطقة والعالَم بفعل ارتدادات معركة طوفان الأقصى، فإنَّنا نركِّز بمزيدٍ من الفخر والاعتزاز بالمقاومة الفلسطينيَّة وما حقَّقته على الأرض من مكاسب، فإنَّ معركة (طوفان الأقصى) الَّتي أدَّت إلى إحداث خرقٍ كبير في جبهة العدوِّ الصهيوني، وانتزعت من (الصهاينة) ما يُدعى بـ(الأمان المطلق) الَّذي كانوا يظنونه متوافرًا عن طريق إقامة الجدار الإسمنتي على الحدود المغتصبة، فضلًا عن الخرق المعنوي الكبير في جبهة العدوِّ السِّياسيَّة ودوائرها المختلفة.
إنَّ صولة (طوفان الأقصى) كما يوضح التقرير هي واحدة من المعارك الفاصلة في تاريخ الصراع على فلسطين مع العدوِّ الصهيوني؛ لآثارها الاستراتيجيَّة الَّتي ستتركها هذه الصولة على الكيان الَّذي أقام بنيانه على آلة حربيةَّ إرهابيَّة بامتياز أطلق عَلَيْها صِفة الرَّدع، بدَّدت الخوف وأزالت الوَهْم من خلال تكريس حقيقتين اثنتين: الأولى هي إمكان النَّيْل من الكيان عسكريًّا على وَجْه الخصوص، والأخرى أنَّ هذا الكيان ليس قويًّا بالصورة الَّتي يبدو عَلَيْها، وأنَّ عوامل التفكُّك والتآكل قَدْ تمكَّنت مِنْه بالفعل.
وحَوْلَ آثار معركة طوفان الأقصى دوليًّا وإقليميًّا وعربيًّا وعراقيًّا يرصد التقرير انعكاسًا أوَّلًا على الموقف الغربي والأميركي عِندما تداعت دوَل الغرب وأميركا منذ اللحظات الأولى لإنقاذ الكيان، ومحاولة تعزيز روحه المعنويَّة، وأكَّدت أنَّ هذا الكيان هو موقع أميركي وغربي متقدِّم، وأنَّه أُقيم في هذه المنطقة لاستنزاف قوَّتها ومنْعِ وحدتها، فضلًا عن كونه جدارًا متقدِّمًا للدِّفاع عن الهيمنة الغربيَّة في هذه المنطقة الحيويَّة.
كما ذهبتْ أوروبا إلى ما ذهبتْ إليه أميركا، فهي تصرِّح مرارًا وتكرارًا أنَّها لا تدعم «وقف إطلاق النَّار» والوقوف إلى جانب «إسرائيل» ولها الحقُّ في الدِّفاع عن نَفْسها ضدَّ الهجمات (الإرهابيَّة)».
ويتوقف التقرير عِند الموقف العربي والإقليمي بالقول إنَّ دَولتيْنِ إقليميتَيْنِ كانتا محطَّ نظر في هذه الأزمة الخطيرة، وهما تركيا وإيران، بحُكم أنَّ البُعد العربي (الرسمي) قَدْ تمَّ تحييده بطُرقٍ وسياسات تختلف، فيما تنهش جسَده سياسات التطبيع وغيرها، الَّتي وضعت عراقيل كثيرة أمام حركة شعوب هذه الدوَل في التعبير عن التضامن مع (غزَّة) ومعركتها الفاصلة؛ في ظلِّ مواقف رسميَّة لَمْ ترقَ إلى الحدِّ الأدنى الواجب من المسؤوليَّة.
وركَّز التقرير على الموقف العراقي من الحدث بالقول: الموقف العراقي ممَّا يجري في غزَّة ليس إلَّا موقفًا يتفرع عن الرؤية الإيرانيَّة ولا يتجاوزها، كما أنَّ أذرعها تعمل في ضِمن إطار وحدود (التفاهمات) الَّتي باتَتْ تُعرف بـ(قواعد الاشتباك)،..
هذا على صعيد مَن يُمثِّلون (الحالة الرسميَّة) في العراق، أمَّا على الصعيد الشَّعبي؛ فلا يخفى أنَّ الشَّعب العراقي بأطيافه ومُكوِّناته وهيئاته مع القضيَّة الفلسطينيَّة، ولَنْ يتراجعَ عَنْها؛ لأنَّه يَعدُّها قضيَّة أولويَّة له على الرغم من معاناته من حالة الاحتلال وتداعياتها المستمرَّة منذ عشرين سنة؛ بخلاف النظام السِّياسي القائم الَّذي توافق مع التفاهم الأميركي الإيراني.
نخلص إلى القول: إنَّ التقرير السِّياسي الدَّوْري لهيئة علماء المُسلِمين في العراق قَدْ وضع النقاط على الحروف برؤية واضحة المعالم تستند لمواقف الهيئة كرافعة وطنيَّة معبِّرة عن تطلُّعاتها عَبْرَ تحليل استباقي وموضوعي لمسار المعركة وارتداداتها على جميع الصعد، وهي رؤية أبرزت موقفها المتقدِّم في رصدها لمسار المعركة وكشف المتاجرين بالقضيَّة الفلسطينيَّة.


أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]