تعيش عُمان أيام العيد الوطني الثالث والخمسين دون أن تنسى غزَّة، يلبس العديد من المواطنين وشاح العيد الوطني متصلًا بوشاح علَم فلسطين كدلالة للتضامن مع أهلنا في فاسطين عمومًا وفي غزَّة تحديدًا، ويعيش الأطفال مظاهر العيد في مدارسهم وتتخللها أعلام فلسطين ويدبجون فقرات إذاعاتهم المدرسية بأناشيد فلسطين والدعاء للمظلومين من الأطفال والنساء والشيوخ، يعيش العُمانيون ثنائية الفرح والحزن، وهذه طبيعة الحياة، وهذا حال كلِّ إنسان يعي ويستوعب طبيعة الحياة، فالحياة عابرة لكي نعي ونتعظ ونعرف أنَّنا غرباء فيها؛ ولأنَّنا كذلك، فقد أدركت الأُم الغزَّاوية رسالتها فتعيشها وتجسِّدها بأن تعدَّ أبناءها لحياة شريفة وكريمة أو للشهادة.
وما فتئت تقدم قوافل الشهداء وتربي العلماء المجاهدين، تمتلئ مدارسها ومساجدها بصفوة من النابهين الأذكياء الذين يعيشون في سبيل قضية عادلة ونبيلة. ونحن في عُمان نحيِّي معاني الأخوة بنصرة المظلومين في كلِّ مكان من العالم وخصوصًا في فلسطين، فهذه أرض الأقصى كانت منذ أن خلق الله الأرض ومَن عليها مهدًا للأنبياء وميدانًا للصراع بين الحقِّ والباطل، ويختم الله كلَّ مشهد من مشاهد هذا الصراع بنصر الحقِّ على الباطل، ويظهر أمامنا الطرف المظلوم الذي من خلال جهده نتعلم بأنَّ النصر ليس بكثرة العدد وليس بتكنولوجيا الإبادة الجماعية إنَّما هو لمن كان أكثر إيمانًا وأكثر صدقًا وإخلاصًا وباع نفسه لله وانتصر للحقِّ وللقِيَم والمُثل العُليا من الإيمان والعدل والرحمة.
وفي غزة ظهر سلاح جديد متمثلًا في الأُم المعجزة، الأُم الغزَّاوية التي تخرج للقضية هؤلاء الأطفال الذين يلقِّنون بعضهم بعضًا الشهادة، ويعيشون من أجل الكرامة ورفض الظلم وعدم القَبول بالذُّل والهوان. تدك الآلات الإسرائيلية التي يتمترس فيها عدوٌّ جبان، ويتصدى لها الأطفال والنساء والشيوخ بصدور مفتوحة وهم مؤمنون وموقنون بأنَّ الحياة الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية وأنَّ الجميع سيتقابلون في ساحة العدالة الإلهيَّة. إنَّ ما تقوم به الأُم الغزَّاوية منهج تطبيقي ينبغي أن تستفيدَ منه أُمَّهات العالم اللاتي يكتفين بإعداد أبنائهم لحياة الدنيا ومتاعها واستنزاف جميع طاقتهم وإفنائها من أجل المادَّة والعَرض الزائل من الحياة، فالأُم الفلسطينية هي أُمٌّ رحيمة وشجاعة وكريمة ومعطاءة، وفي قصة حقيقية تتناقلها المواقع الإلكترونية يروي طفل فلسطيني بأنَّ أُمَّه رفضت أن يكتبَ أحد على أجسادنا، ويقول: دعتنا أُمِّي إلى داخل الخيمة وبين أصابعها اليابسة قلم حبر أسود كانت تحبُّه وتضعه في درج المكتبة، بدأت بي قائلة: أحمد تعال، فكتبت اسمي الرباعي على يدي (أحمد راشد صالح..) اسم الأُم عبير العمر تسع سنوات، فصيلة الدم A+ مكان السكن الأصلي: حي.. بناية.. ثم نادت أختي هِبة فكتبت نفس المعلومات إلَّا أنَّ عمرها خمس سنوات، ثم راشد وعمره ثلاث سنوات، لكن جسده الصغير لم يتَّسع لكُلِّ الكلمات، تنهَّدت وقالت: راشد ما راح يضيع عنَّا، راح يعرفوه، بيظل بحضني، ونظرت إلينا برأس مائل وابتسامة صغيرة وقالت: ما تخافوش، أنا كتبت على جسمي بكُلِّ مكان، إنِّي أُم أحمد وراشد وهِبة، سيجمعوننا معًا ولو كنَّا أشلاء.. سيأتي الحلم في مشكاة فجر وعند الصبح تبتسم الأماني.
د ـ أحمد بن علي المعشني ✱
✱ رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية