حالة من الغضب العارم تجتاح الأوساط الشَّعبيَّة في الأُمَّتيْنِ العربيَّة والإسلاميَّة؛ نتيجة ما يحدُث وما يراه الجميع من عدوان همجي على الأراضي الفلسطينيَّة، خصوصًا في قِطاع غزَّة. فالنَّازيَّة الصهيونيَّة وصلت لحدٍّ فاق كافَّة التصوُّرات والتخيُّلات، والأيادي الإجراميَّة لَمْ تترك جريمة لَمْ ترتكبها، سواء قتل أو تشريد الأبرياء أو السَّعي نَحْوَ التهجير القسري، ناهيك عن استهداف العُزَّل، خصوصًا من الأطفال والنِّساء، بالإضافة إلى القصف الهمجي للأحياء المأهولة بالسكَّان، وعدم استثناء دُور العبادة والمنشآت والمدارس والمستشفيات، وحتَّى الملاجئ التابعة للأونروا، كُلُّ هذا يضاف إليه حصار خانق لا مشروع وفق كافَّة القوانين والمواثيق الدوليَّة، تمَّ خلاله قطع كافَّة الخدمات وحرمان السكَّان من الماء والغذاء والوقود والدواء، بشكلٍ أضحى يفقد أبناء قِطاع غزَّة حتَّى فرص إنقاذ الحياة.
تلك المآسي الَّتي نراها بشكلٍ واضح زادت من حدَّة الغضب الشَّعبي العربي والإسلامي، وذلك في ظلِّ تواطؤ واضح للجميع من الدوَل الغربيَّة الدَّاعمة للكيان الصهيوني، وعلى رأسها الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة، الَّتي لَمْ تكتفِ بالحماية وتوفير الغطاء اللازم، الَّذي يوفِّر لدَولة الاحتلال الصهيوني الغطاء الدولي المطلوب لتواصل جرائم الإبادة الجماعيَّة الَّتي ترتكبها، لكنَّها وصلت أيضًا لحدِّ التسليح وتوفير كافَّة الإمكانات العسكريَّة، وكأنَّ دَولة الاحتلال الصهيوني تحتاج لترسانة أسلحة، في وجْهِ شَعبٍ أعزَل لا يملك سوى وسائل بدائيَّة يستخدمها في مواجهة هذا المستعمر الإرهابي الغشوم، بالإضافة إلى توفير كافَّة منصَّاتها الإعلاميَّة ذات التقنيَّة العالَميَّة، في محاولة لغسل الأيادي الصهيونيَّة من دماء الأبرياء الفلسطينيِّين، ومحاولة تبرير الإرهاب الصهيوني بذريعة الدِّفاع عن النَّفْس. وتزداد هذه الغضبة الشَّعبيَّة من العرب والمُسلِمين بما يرون أنَّه تخاذل رسمي في الأُمَّتيْنِ العربيَّة والإسلاميَّة، خصوصًا مع خروج البيان الختامي للقمَّة العربيَّة الإسلاميَّة غير العاديَّة، والَّذي يراه المتابع الشَّعبي لا يرقى لِمَا يحدُث من جرائم صهيونيَّة، تواطؤ غربي، فالبيان رغم أنَّه يُعبِّر عن المطالب المشروعة الَّتي يناشدها الجميع في الوقت الراهن، إلَّا أنَّ الأصوات الغاضبة لا تزال تراه بيانًا يحبل بالمطالبة والإدانة والاستنكار، دُونَ أن يكُونَ لدى الأُمَّتيْنِ العربيَّة والإسلاميَّة ردُّ فعلٍ حقيقي يُعبِّر عمَّا يجيش في النفوس العربيَّة من أنين مكتوم، كما يراه البعض الآخر ضعفًا ووهنًا تجلَّى في المطالبة والمناشدة، وعدم النهوض بفعل يُجبر الأطراف الأخرى على الالتزام بالحقوق والثوابت الفلسطينيَّة. تلك الغضبة الشَّعبيَّة وبرغم ما لها من أُسُس عقلانيَّة، إلَّا أنَّها تتجاهل عن عمدٍ الوضع العربي والإسلامي الَّذي وصلنا إليه في المحيط العالَمي، فمن السَّهل أن أركبَ الموجة وأن أوَجِّهَ قذائف التخاذل ضدَّ كُلِّ ما هو رسمي، لكن تلك الجدليَّة أجدها تذكِّرني برؤية المفكِّر المصري والإسلامي عبد الوهاب المسيري، عِندما خرجت الأصوات تطالب بضرورة دمج النِّضال المُسلَّح بالفكري، كما فعل علي عزت بيجوفيتش في حرب البوسنة، وهنا أكَّد المفكِّر المصري على اختلاف الأوضاع، مشيرًا إلى أنَّ الأوساط العربيَّة والإسلاميَّة في لحظة ما يتجاهلون الصبر في تغيير الواقع؛ لأنَّ الواقع ـ حسب وجهة نظره الَّتي أشاركه إيَّاها ـ الَّذي نعيشه ليس من صُنعنا، وما تعلَّمناه ليس من صُنعنا، وما نستخدمه من تقنيَّة ليس من صُنعنا، فإن حاولنا تغيير الواقع القائم على إمكانات لا نملكها، فلَنْ نستطيعَ تغييره، بل ستكُونُ انكسارة، وسيدفع ثمنها أجيال المستقبل، كما ندفع نحن أخطاء اندفاعات الماضي، ولنا حديث آخر.
إبراهيم بدوي
[email protected]