عادةً ما يُصاب الفرد بنزلة بردٍ كُلَّ فترة، فيكرِّس ذلك المُصاب وقْته لإزالة انسداد أنفي، بل واستخدام مزيلات الاحتقان. وفي الليالي الطوال مع الحمَّى والزكام الشديد يمضي ساعات وهو يتقلب من جانب إلى آخر، محاولًا تنظيف إحدى فتحتَي أنفه ثمَّ الأخرى.
وبشكلٍ ما، فالكثير من الأفراد أدرك أنَّه ما كان يعتقد أنَّه يعرفه عن احتقان الأنف كان خاطئًا. لذلك ومن هنا جميل أن نتفكرَ في الشكل الَّذي يبدو عَلَيْه أنفك من الداخل وتركيبه الداخلي: حيث تفتح كُلّ فتحة أنف في تجويف الأنف الخاصِّ بها، والَّذي لا يتصل بالآخر بشكلٍ مباشر. إنَّهما عضوان منفصلان، منفصلان مِثل عَيْنَيْك أو أُذنَيْك!
بطبيعة الحال، الأنف مبطَّن بنسيج وريدي ويُمكِن أن يصبحَ ممتلئًا بالدَّم. وعادةً ما تؤدِّي العدوى أو الحساسيَّة إلى تفاقم التورُّم أو الانتفاخ للممرَّات الأنفيَّة فتصبح مسدودة تمامًا. هذا التورم، وليس المخاط، هو السَّبب الرئيس لانسداد الأنف، ولهذا السَّبب لا يؤدِّي طرد المخاط إلى حلِّ الاحتقان تمامًا! وهنا التمخُّط بلطف يعمل بشكلٍ جيِّد على التخلُّص من أيِّ مخاط قَدْ يزيد من الاحتقان. لكنَّ مزيلات الاحتقان حقيقة، تعمل عن طريق التسبب في تقلُّص الأوعية الدمويَّة في الأنف، ممَّا يفتح الممرَّات الأنفيَّة للحصول على راحة مؤقتة.
لذلك في الأنوف الصحيَّة، عادةً ما يتبع تورُّم الأنسجة الأنفيَّة وعدم تورُّمها نمطًا يطلق عَلَيْه الدَّوْرة الأنفيَّة. ففي كُلِّ بضع ساعات، يصبح أحَد جانبَي الأنف محتقنًا جزئيًّا بَيْنَما ينفتح الجانب الآخر، ثمَّ يقومان بالتبديل. بلا شكٍ يختلف النَّمط الدَّقيق والمدَّة من شخص لآخر، لكنَّنا نادرًا ما نلاحظ هذه التغييرات داخل أنوفنا.
ومن هنا، سنلاحظ أنَّ أنوفنا لا تقيس تدفُّق الهواء مباشرة؛ وبدلًا من ذلك، فإنَّها تعتمد على المستقبِلات الحسيَّة الباردة الَّتي يتمُّ تنشيطها عِندما يمرُّ الهواء البارد بالأنف. وهكذا ـ سبحان الله ـ يُمكِن خداع هذه المستقبِلات الباردة بواسطة (الفيكس) الَّذي يستخدمه الكثير من النَّاس ـ على سبيل المثال ـ. ولعلَّ البرودة مِنْه تخدع هذه المستقبِلات وتجعلها تعتقد ـ إنِ استطعتُ القول ـ أنَّها ما زالت تحصل على الهواء. فاستخدام (الفيكس) يشعرك بأنَّ الاحتقان أفضل، على الرغم من عدم وجود تأثير إيجابي ومباشر على فتح الممرَّات الأنفيَّة!
ختامًا، قَدْ يكُونُ مُعْظم النَّاس رواة غير موثوقين عِند شرح احتقان الأنف لدَيْهم. فعِندما يذهب المرضى للفحص، قَدْ يرَى الطبيب أنَّ أحَد جانبَي أنفِهم منتفخ بشكلٍ واضح أكثر من الجانب الآخر، ولكن ليس بالضرورة أن يكُونَ الجانب نَفْسه الَّذي يشعر المريض بأنَّه أكثر احتقانًا! وبالفعل لا يزال هذا محيرًا إضافةً إلى أنَّ هنالك عوامل أخرى، مِثل درجة الحرارة. وهكذا فإنَّ الأجزاء الداخليَّة للأنف معقَّدة ولا تزال غامضة. ولعلَّك من الآن ستفكِّر في كُلِّ هذا في المرَّة القادمة عِندما تكُونُ مستلقيًا ومستيقظًا في الليل، مريضًا مرَّة أخرى، ومحتقنًا مرَّة ثانية.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]