بَيْنَ حديث نتن ياهو رئيس حكومة الكيان الصهيونيِّ الفاشيِّ عن عزْمِه تغيير خريطة الشَّرق الأوسط بناءً على الخريطة التي عرَضَها أمام الجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة، وبَيْنَ حديث شيخ الخَرَف في زيارته التضامنيَّة مع حاملات الطائرات عن أنَّ «ما حدث في «إسرائيل» يُشكِّل 15 ضعفًا لِمَا حدث في 11 سبتمبر»، و»لو لَمْ تكُنْ هناك «إسرائيل» في الوجود لَعمِلْنا على إقامتها وسنستمرُّ في الوقوف بجانبها»، تبدو ملامح التكالب الأميركيِّ الغربيِّ على أشدِّها استباقًا للتغيير القادم الذي تَقُودُه كُلٌّ من جمهوريَّة الصين الشَّعبيَّة وروسيا الاتِّحاديَّة والجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، ومعها دوَل مجموعة «بريكس»، وما يشي ذلك بزوال جميع مظاهر الاستعمار الغربيِّ الامبرياليِّ أو تراجعه إلى الدَّرَجة التي لا يملك معها القدرة على التأثير وتلاشي سياسة القطيع التي فرضها طوال عدَّة عقود.
نعم، يتملَّك الأميركيَّ والأوروبيَّ والصهيونيَّ القلقُ من قرب زوال الزواج الكاثوليكيِّ الذي أقامه عَبْرَ العقود الماضية والذي يسعون إلى ربطه بالتطبيع المجَّانيِّ وتتويجه بِدُرَّته المتمثلة في المملكة العربيَّة السعوديَّة.. الأمْرُ الذي سيجعل من هذا الإقليم خاضعًا للإرادة والهيمنة الصهيوـ أميركيَّة الغربيَّة، ويُتيح المجال للولايات المُتَّحدة التفرُّغ للانتقال شرقًا ومواجهة خصمَيْها الصين وروسيا. لذلك يرمي اليوم هذا المُستعمِر بكُلِّ ثقله وبكُلِّ ترسانته متأبطًا قاعدته العسكريَّة المُسمَّاة «إسرائيل» لِيضربَ بها محاولات الانسلاخ عن عباءته في الإقليم. كيف لا؟ أوَلَمْ يُقَمْ هذا الكيان الصهيونيُّ الغاصب الشَّاذُّ لِيكُونَ معاديًا للشعوب العربيَّة والإسلاميَّة، ولِيكُونَ سدًّا قويًّا فاصلًا بَيْنَ الجزء الإفريقيِّ والجزء الآسيويِّ منعًا لوحدة الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة في القارَّتَيْنِ، بناءً على نتائج مؤتمرات دوَل الاستعمار ـ وتحديدًا بريطانيا وفرنسا ـ والتي تمخَّض عَنْها وعد بلفور المشؤوم واتفاقيَّة سايكس ـ بيكو.
ولكَيْ يتمكَّنَ هذا المُستعمِر من فرض الهيمنة، ويُمكِّنَ قاعدته العسكريَّة «إسرائيل» ويقفَ سدًّا منيعًا أمام مناوئيه الصين وروسيا كان لا بُدَّ من إقامة مشروع «الممر» الذي يربط الهند بأوروبا والخليج والقاعدة العسكريَّة المُسمَّاة «إسرائيل»؛ المشروع الذي لا يصطدم فقط بالمشروع الصينيِّ «الحزام والطريق»، وإنَّما يصطدم بقوَّة بمحور المقاومة الممتدِّ من الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة وجمهوريَّة العراق والجمهوريَّة العربيَّة السوريَّة وفلسطين المحتلَّة ولبنان (المقاومة الإسلاميَّة) واليمن (جماعة أنصار الله).. ولكَيْ يرى هذا المشروع النُّور ويُؤتِي أُكُلَه لا بُدَّ من إزالة هذا العائق وتدميره الذي يبدأ من قِطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة وذلك بتهجير الفلسطينيِّين من الضفَّة الغربيَّة باتِّجاه الأردن، ومن قِطاع غزَّة باتِّجاه مصر في أرض سيناء، حيث المتداول أنَّ كيان الاحتلال الصهيونيِّ ـ بالتعاون مع حلفائه وعملائه طبعًا ـ ينوي تحويل غزَّة إلى قناة تخدم المشروع السَّيِّء الذِّكْر المُسمَّى «الممر»؛ وبالتَّالي تهديد قناة السويس ودَوْرها التي يُعدُّ إنهاء دَوْرها أحَدَ المُخطَّطات بجوار سدِّ النَّهضة الإثيوبيِّ؛ لأنَّ الصهاينة ما زالوا يؤكِّدون أنَّ مصر هي التهديد الحقيقيُّ لكيانهم، وهذا الخَطَر الدَّاهم الذي يُحاك ضدَّ جمهوريَّة مصر العربيَّة هو ما يستشعره المصريُّون اليوم على المستويَيْنِ الرَّسميِّ والشَّعبيِّ.
شيخ الخرَف والكذب جاء طائرًا من واشنطن لِيُعيدَ استنساخ هجمات الحادي عشر والإيحاء بأنَّ «مَنْ ليس معَنا فهو ضدّنا، ومع الإرهاب الآتي من غزَّة» هذا هو لسان الحال، لكنْ لِكبَرِ سنَّه وخرَفِه عجز عن إدراك أنَّ الظروف والأحوال اليوم وبعد عمليَّة طوفان الأقصى في السَّابع من أكتوبر 2023م ليست ذاتها بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وأنَّ الوعيَ المقاوم قَدْ تمكَّنَ من وضعِ حدٍّ لتناسل الأكاذيب، والأصابع على الزناد، وأزاحَ عبئًا كبيرًا عن أنظمةِ الرجعيَّة والتبعيَّة، وأعطاها هامشًا للمناورة.
ختامًا، بعدَ ما أفشلت المقاومة الإسلاميَّة في لبنان مشروع الشَّرق الأوسط الكبير في العام 2006م، ستُفشل المقاومة الفلسطينيَّة ـ ومعها محور المقاومة ـ خريطة الشَّرق الأوسط «الصهيو ـ أميركيَّة» الجديدة المتمثلة في «خريطة النتن» و»مَمرِّ شيخ الخرَف» بإذن الله.



خميس بن حبيب التوبي
[email protected]