أخي الحبيب.. إن خصوصية المولد النبوي يدعونا إلى مزيد من التأمل والتفكر في تلك الظروف الخاصة جدًّا والدقيقة للغاية، والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنه رسول رب العالمين، بل أجزم أنها دليل قوي جدًّا على صدق رسالة وتأكيد نبوته، فمثلًا خصوصية حادثة الفيل ـ وقد أشرت إليها أكثر من مرة ـ (قد وقع عام ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم - في وقت كان يعيش فيه من أهل مكة أناس رأوا حادث الفيل بأعينهم، وبعضهم من أعداء الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلو لم تكن الطيور طيورًا حقيقية والحجارة حجارة حقيقية لظهر من العرب من يسارع إلى تكذيب هذه السورة، ويعلن ذلك على رءوس الأشهاد وينتهزها فرصة في الكيد لمحمد -صلى الله عليه وسلم - والطعن عليه، ولكن الواقع أن “سورة الفيل” قد تلقاها العرب بالقبول، لأنها تقرر حقيقة معروفة عندهم لا شك فيها ولا يجرؤ أحد على إنكارها)، وما جعلني أن أذكر هذا الأمر مرة أخرى أسأل العالم بأسره سؤالًا أتحدى به كل من ينكر رسالة هذا النبي العظيم أحدث هذا لأحد من البشر سوى محمد ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ أليست هذه خصوصية نادرة جدًّا تزيد من قدر ومكانة هذا النبي الكريم ـ عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم، (إذ لم يصنعها إنسان ليبطش بأخيه الإنسان، ولكن صنعها القهار ليكبح بها جماح الظلم والعدوان، ولقد سجل العرب في شعرهم هذا الحادث العجيب، وتغنوا به أمام العصور والأجيال، ومن ذلك قول نفيل بن حبيب وغيره) (القول المبين في سيرة سيد المرسلين، ص: 26)، وكالإمام البوصيري حيث يتناول ميلاد الرسول (عليه الصلاة والسلام) ذاكرًا (أن المعجزات التي حدثت في هذا اليوم هي دلالات قاطعة على أنه مختار ومصطفى من السماء، ويذكر هذه المعجزات وأهمها ما حدث في فارس، فقد تصدع أيوان كسرى وخدمت نار المجوس، وجفت بحيرة ساوة مما أصاب الناس بالخوف والهلع لهذا الحدث العظيم) (ثلاثية البردة بردة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم، ص: 66)، ويقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه (فقه السيرة ص: 184):(وكان جند القرآن أعدل رجال وعاهم التاريخ وأحصى فعالهم في تدويخ المستبدين وكسر شوكتهم طاغية إثر طاغية، فلما أحب الناس - بعد انطلاقهم من قيود العسف - تصوير هذه الحقيقة، تخيلوا هذه الإرهاصات، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - نصيبه ضخم من الواقع المشرف فهذه الروايات وأشباهها، مثل هذه الحوادث الخطيرة لا يمكن إغفالها إذا وقعت، ولو أن أعداء الإسلام رأوها لما أنكروها، بل كانوا يسجلونها في كتبهم التي أرخوا فيها لتلك الفترة ويقولون عنها: إنها ترجع إلى أسباب كونية وعوامل طبيعية، ويحاولون أن يلتمسوا لها أي تعليل يخرج بها عن إثبات الفضل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولدينه، ولكن شيئًا من ذلك لم يكن، ما يجعلنا نطمئن إليها ونرجح وقوعها).ومن أجل الخصوصيات للمولد النبوي الشريف ما ذكره صاحب (السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية 1/ 93):(والحادث يوحي بما خطه القدر الإلهي من ميلاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أبيه عبد الله ابن عبد المطلب، فقد حفظ الله حياة عبد الله بما صرف عبد المطلب عن نحره، قد رويت قصص وأخبار حول صفة حمل آمنة به، وأنها لم تر أخفَّ ولا أيسرّ منه، وأنها رأت في منامها بشارة بجليل مقامه، وأمرت بتسميته بمحمد، ولدن مولد محمد الطفل أرضعته أمه يومين، ثم أرضعته يومين أو ثلاثة أيام ثويبة جارية عمه أبي لهب، وبعد ذلك دفع إلى حليمة، وهي مرضعة من بني سعد، وكان من عادة أشراف العرب ان لا ترضع الأمهات أطفالهنّ، لقد كنّ بدلًا من ذلك، يدفعنهم إلى المراضع من أهل البادية، وهناك لبث في عهدة حليمة حتى بلغ ربيعه السادس، وعندئذٍ أعيد إلى أمه. وفي هذه الفترة رغبت آمنة في زيارة قبر زوجها، فخرجت إلى المدينة حيث دفن، مصطحبة الطفل معها، ولكن اليتيم حرم، في بعض الطريق، من أمه أيضًا، إذ توفيت في مكان يدعى الأبواء فدفنت هناك. وهكذا وجد النبي نفسه، وهو بعد طفل طري العود في السادسة، محرومًا من أبيه وأمه. إن قدره لم يشأ له أن ينشأ في رعاية أبيه العطوف، وحرمه حتى حنان أمه الرؤوم). فداك أبي وأمي يا رسول الله.. وللحديث بقية.محمود عدلي الشريف [email protected]