تمتلك النُّظُم الاقتصاديَّة العالَميَّة الكثير من الخيارات لِتسلكَ أيًّا من السُّبل الأوفر حظًّا لها، والتي تتماشى مع طبيعة وثقافة وقدرة مؤسَّساتها على استيعاب أيٍّ من السُّبل للمُضي في الاعتماد عَلَيْها. ومن تلك النُّظُم النظام الرأسمالي الحُر، النظام الاشتراكي، النظام الاقتصادي المختلط والذي جمع بَيْنَ النظامَيْنِ، والنظام المالي الإسلامي والذي لَمْ يُطبَّق إلَّا في نطاق محدود للغاية، وغالبًا ما يكُونُ في المؤسَّسات، وفي حالات عرضيَّة نجد بعض الدوَل ولأسباب مختلفة توكل اقتصادها إلى إحدى مؤسَّساتها فتنشئ نُظُمًا خاصَّة بها تتمثل في امتلاكها كُلَّ مفاتيح العمليَّة الاقتصاديَّة من موارد الدَّولة إلى تقنين القوانين التي تساعدها في تحقيق أهدافها الربحيَّة التي تَعُودُ إلى تلك المؤسَّسة بسرعة ونجاح كبير بفضل القوانين والأهداف التي تُحقِّقها للعمليَّة الاقتصاديَّة ولا تستفيد مِنْها الدَّولة، بل يُمكِن أن تكُونَ سببًا في إفشال اقتصاد الدَّولة نَفْسِه نتيجة عدم إدراكها حاجة السُّوق الداخلي والخارجي وهروب رأس المال إلى الخارج، إلَّا أنَّه ووفقًا لدرجات النُّمو الاقتصادي العالَمي نجد أنَّ الولايات المُتَّحدة ما زالت تُحقِّق التوازن الرأسمالي، إلَّا أنَّه وفقًا لمعدَّلات النُّمو الحاليَّة ما زال يتضاعف حجْمُ الاقتصاد لدَيْها متفوِّقًا على الرأسماليَّة الأميركيَّة والأوروبيَّة.
لماذا تتفوَّق الصين اقتصاديًّا؟
الصين تحرَّكت منفردةً بتحرير النظام المالي لدَيْها ممَّا جعل ـ خلال عشرة أعوام فقط من بداية الألفيَّة العشرينيَّة ـ حصَّة الإقراض المصرفي الموَجَّه من قِبَل الدَّولة في الصين تنخفض من 92% من إجمالي إنشاء الائتمان الجديد إلى أقلَّ من 50%، بالإضافة إلى زحف الصين باتِّجاه صورة من الرأسماليَّة أكثر اعتمادًا على السُّوق (من اقتصاد توجِّهه الدَّولة إلى اقتصاد تحرِّكه السُّوق)، بعد أن قامت بدراسات لمناطق متفرِّقة من قارَّات العالَم ووفَّرت البنية التحتيَّة لاستقبال منتجاتها، والشَّاهد إحياؤها لطريق الحرير التجاري القديم الذي يربط الصين بجنوب شرق آسيا، أرخبيل إندونيسيا، شِبْه القارَّة الهنديَّة، شِبْه الجزيرة العربيَّة وصولًا إلى مصر وأخيرًا أوروبا. واعتماد الصين على خصوصيَّتها وتاريخها كتب لها النجاح منفردةً رغم محاولة بعض الدوَل في الغرب تقليدها وكان الفشل الغربي لاختلاف هذه الخصوصيَّة.
ما يميِّز النجاح الاقتصادي أنَّه أمْرٌ شائع يُمكِن لأيٍّ من دوَل العالَم اتِّخاذ الأسلوب الأفضل لإدارة اقتصادها وإدارة مواردها في فلَك النظام الاقتصادي العالَمي، وليس هناك في الاقتصاد ما هو معروف بالشيء الجامد، أي أنَّ الرأسماليَّة يُمكِن تطبيقها وفقط، وكذلك الاشتراكيَّة.
بل على النقيض، استطاعت الصين أن تستخلصَ من فوائد الرأسماليَّة ما يفيدها في اقتصادها الاشتراكي فأهَّلت لنَفْسِها نموذجًا كتَب لها ما وصلت إليه الآن من نجاح طاف العالَم بمنتجاتها، ومن الصعب أن تجدَ منزلًا عربيًّا أو أوروبيًّا أو إفريقيًّا أو أميركيًّا أو في أيِّ مكان على الكرة الأرضيَّة لا يسكنه منتجات صينيَّة. وهذا هو ما نأمل أن نراه لمنتجات أيٍّ من الدوَل العربيَّة، فإنْ لَمْ نستطع توحيد جهودنا، فنتمنَّى أن نجدَ دَولة عربيَّة تصل بمنتجاتها وجودتها إلى مراحل لاحقة بالاقتصاد الصيني.. العالَم الآن مجرَّد قرية صغيرة، وأسباب النجاح لا تخفى على أحَدٍ، فقط ينقصنا مَن يبحث عَنْها.



جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»