منذ أن انطلقت الشرارة الأولى لنهضتها المباركة أخذت القيادة الحكيمة تنادي بالسَّلام والحوار البنَّاء، واتَّخذته مِنْهجًا استراتيجيًّا ورؤية حضاريَّة، وعدَّته مبدأً من المبادئ التي توجّه سياسة سلطنة عُمان داخليًّا وخارجيًّا.. وأثمرت هذه السِّياسة احترامًا وودًّا وتقديرًا من الجميع.
إنَّ هذه السِّياسة الرشيدة للقيادة الحكيمة أهَّلت السَّلطنة لِتكُونَ منارة للسَّلام وعنوانًا للتحضُّر، ولتتبوَّأَ موقعًا رائدًا على الصعيد العربي والدولي.. ولَمْ تتوانَ حكومتنا الرشيدة لِتؤكِّدَ دائمًا في أيِّ محفل دولي يتاح لها التحدُّث فيه للتعبير عن سياستها الثابتة الدَّاعمة للسَّلام والحوار البنَّاء الذي يصبُّ في صالح الشعوب وينتصر للمصلحة العُليا للبلاد.. وهذا ما أكَّد عَلَيْه معالي السَّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجيَّة خلال كلمة السَّلطنة في الدَّوْرة الثامنة والسبعين للجمعيَّة العامَّة للأُمم المُتَّحدة المنعقدة بنيويورك التي أشار فيها إلى أنَّ «سلطنة عُمان تؤكِّد على التزامها الراسخ بمشاركة الأُسرة الدوليَّة في سَعْيِها لبلوغ نظام عالَمي سِلمي، قوامه العدل والإنصاف واحترام ميثاق الأُمم المُتَّحدة والقانون الدولي وسيادة الدوَل وعدم التدخُّل في شؤونها الداخليَّة».. وغير ذلك ممَّا تناقلته وسائل الإعلام للخِطاب المميز الذي ألقاه معالي وزير الخارجيَّة. إنَّ السِّياسة الخارجيَّة العُمانيَّة، سواء على المستوى الإقليمي أو العالَمي اتَّخذت خطَّا ثابتًا وواضحًا ولَمْ تَحِدْ عَنْه قام على عدَّة مبادئ مِنْها الاحترام المتبادل بَيْنَ الدوَل.. حُسن الجوار أيًّا كانت ظروف الجار.. مدُّ يدِ الصداقة للجميع.. عدم التدخُّل في الشؤون الداخليَّة للغير واحترام سيادة الدَّولة، وفي المقابل رفض أيِّ تدخُّل في الشؤون الداخليَّة للسَّلطنة.. الالتزام بقواعد القانون والشرعيَّة الدوليَّة.. نشر السَّلام.. الحوار أفضل وسيلة لحلِّ النزاعات.. وغير ذلك من المبادئ التي تؤدِّي إلى الاستقرار واستتباب الأمن والأمان وتحثُّ على التعايش الإنساني الرَّاقي. وما تعيشه أُمَّتنا هذه الأيَّام من صراعات في عدَّة مناطق مِنْها أصاب الشعوب العربيَّة بنَوْعٍ من التشتُّت وعدم وضوح الصورة ولَمْ يَعُدْ يعرف أحَدٌ مَن المُصيب ومَن المخطئ؟ وانقلبت الكثير من المفاهيم وصارت تحتاج إلى حكمة ورؤية ثاقبة لقراءة الواقع والمصير واستشراف المستقبل القريب والبعيد.. ومَن يتتبع مواقف السَّلطنة وعلاقتها بالصراعات التي تَدُور في المنطقة يجد أنَّها كانت وسيط خير وراعيًا رسميًّا للسَّلام ولَمْ تتوانَ في تقريب وجهات النظر بَيْنَ الأطراف المتنازعة بما يؤدِّي إلى تواصل إيجابي بَيْنَها واحتواء للصراع وحلِّ الخلاف. لا شكَّ أنَّ حُسن النيَّة الذي تتعامل به السَّلطنة في علاقاتها مع أشقَّائها وأصدقائها على حدٍّ سواء هو ما أكسبها احترامهم جميعًا ووضعها في منزلة رفيعة، وجعلها ملجأً لكُلِّ مَن يريد حلَّ مشاكله.. فقَدْ أثبتت مواقفها المختلفة أنَّها نموذج عملي مضيء للدَّولة المسالمة الحكيمة القويَّة التي تهدف في المقام الأوَّل لنهضة الشعوب وتنميتهم وتحقيق الاستقرار والأمان لهم.
إن آراء سلطنة عُمان فيما يجري حَوْلَ العالَم لَمْ تنقصها الجرأة والصراحة والوضوح، فلَمْ تعمل يومًا في الظلِّام لتحقيق مصالح خفيَّة، وفي ذات الوقت لَمْ تهلِّل وتُوجِّه أبواق الشهرة للترويج لإنجازاتها على كافَّة المستويات.. بل عملت في هدوء وبدُونِ ضجيج، واضعةً مصلحة الوطن والمواطن فوق كُلِّ اعتبار مع الحرص على تفعيل المصالح المشتركة مع الآخر.. فلَمْ تقاطع أحدًا ولَمْ تختلق خلافًا مع أحَد، وعَبَّرَت عن رأيها في القضايا المختلفة بكُلِّ مصداقيَّة حتَّى لو تعارض هذا الرأي مع الأغلبيَّة، والأمثلة كثيرة مِنْها ما عَبَّرَ عَنْه معالي وزير الخارجيَّة بتوضيح موقف السَّلطنة الثابت من القضيَّة الفلسطينية ودعمها للشَّعب الصَّامد في وَجْه الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.. وكذلك موقف السَّلطنة من الأزمة الروسيَّة والأوكرانيَّة وكيف أن تطوُّرها يُهدِّد السِّلم العالَمي والطَّاقة والغذاء والنظام العالَمي بأكمله ودعوتها للحوار والمفاوضات السلميَّة. إن السِّياسة العُمانيَّة يثبت التاريخ دائمًا صوابها وحكمتها ونجاحها في استشراف المستقبل وتلاقي المصالح، وأنَّها تصبُّ في النهاية بما يخدم مصالح كافَّة الأطراف ويؤدِّي إلى استقرار العالَم.. لذا نتمنَّى أن يوجدَ تعاون دولي يساند هذه التوجُّهات في إحلال السِّلم والاستقرار في كُلِّ مكان، فنحن في زمان أحوج ما نكُونُ فيه للاستماع لصوت العقل وتفادي الانفعال والتصلب في الرأي.



ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني