- الترجمة شغف .. وهي بمثابة الشعلة التي تغذي النفس وتحفز الإبداع

حاورها ـ وحيد تاجا:
هل الترجمة إبداع وإلى أي مدى يكون المترجم أمينًاً على النص الذي يترجمه؟ وهل يمكن للمترجم أن يترجم كل شيء؟ أم أن التخصص مطلوب؟ ماهو سبب الأهتمام الكبير بكتاب (الكون الزجاجي)؟ بالتالي ما هو المقياس الذي نميز من خلاله بين النص المترجم بشكل جيد عن النص المترجم بشكل سيئ؟ هذه التساؤلات وغيرها كانت محور اللقاء مع الأديبة والمترجمة السورية سمر الشيشكلي بمناسبة صدور كتابها الأخير ( الكون الزجاجي). ويذكر ان المترجمة (الشيشكلي) تعمل حالياً مترجم أول في وزارة الثقافة في قطر وقامت بترجمة 30 كتابا من الإنجليزية إلى العربية وبالعكس ، كما صدر لها 5 مجموعات قصصية، فضلاً عن مجموعة شعرية، وحازت على جائزة الإبداع الأدبي بالشارقة وجائزة ناجي النعماني في بيروت.

✱ ما الذي شدك إلى موضوع الترجمة.. وما الذي تعنيه الترجمة بالنسبة إليك؟
✱✱ الشغف هو الشعلة التي تغذي النفس وتحفز على الإبداع، والترجمة شغف، وبالتالي هي أحد المحفزات على الإبداع وعلى إبقاء جذوة النفس الفعالة متقدة، هذا بعض مما شدني إلى موضوع الترجمة أساساً، ثم ادراكي لفكرة (الجدوى)، ما معنى أن يكون للحياة، وللعمل، جدوى ، أدركت باكراً أن الترجمة توفر لي إحساسا مرضياً بالإنجاز لإيماني بأهمية دورها في عالمنا عموماً، ولعالمنا العربي خصوصاً، وهذا الإحساس بالرضى والسلام الداخلي كنت بأمس الحاجة إليه في عالم محير مربك، إضافة إلى أن الترجمة نوع من العلوم ، وبهجة المترجم بعمل ينقله إلى لغة أخرى، بزخمه وألقه الأصلي، يشبه بهجة العالم الذي يصل إلى برهان نظرية أو اكتشاف نجم جديد، أو حل معادلة عصية.

✱ كيف تبدأين عملية الترجمة،هل تباشرين فورا بترجمة النص ..أم تجرين دراسة عن المؤلف وأعماله...؟
✱✱ قبل عملية الترجمة يكون هناك استكشاف للموضوع المحوري الأساسي، ثم المحاور الفرعية، قد يكون هذا عبر الاطلاع على ما كُتب بشأنه على مواقع النت بلغته الأصلية، ثم (قبل أو بعد) استطلع عن الكاتب وأعماله، وينبغي الالتزام بخطوط معينة بشأن الموافقة على الكاتب، أهمها أن لا يكون ممن يحملون ضغينة ضد ثقافتنا العربية، وأن لايكون مناصراً لأعدائها، لكن أود أن أشير إلى أنه في معظم الأحيان تكون عملية البحث عن كتاب ما بالاستناد إلى بعض المعايير التي تضعها الجهة التي ستصدر الترجمة، ثم يبدأ الاستكشاف والتحليل والمقارنة بين عدة عناوين بهدف انتقاء الأنسب بما يتوافق مع الأهداف المطلوبة. هنا تبدأ الرحلة باكراً جداً ، قبل أن يكون العنوان الذي سيترجم قد اتضح لي.

✱ ما الكتاب الأول الذي قمت بترجمته وكيف تم اختياره؟
✱✱ الكتاب الأول هو (من الحداثة إلى العولمة) نشرته مؤسسة عالم المعرفة بالكويت.
كنت لجأت وفق نصيحة أصدقاء إلى وزارة الثقافة في سوريا كان مدير الترجمة الدكتور علي سليمان، والذي وجهني إلى أن أقوم بالبحث عن عنوان معاصر، قيم، يهم الثقافة العربية ويضيف لها شيئاً فكرياً جديداً دون أن يحدد هذا الشيء، وجدت في مكتبة المركز الثقافي البريطاني ضالتي بعد أن تفقدت المكتبات الكبيرة كلها في دمشق. وفّر لي المركز عدة عناوين، درستها كلها ، لأختار كتاب (From Modernization to Globalization) المؤلفان هما عالمان باحثان في مجال العلوم الاجتماعية والدراسات البيئية.

✱ ـ كأنك تميلين أكثر إلى ترجمة الكتب الفكرية والفلسفية رغم صعوبتها من جهة ورغم كونك أديبة من جهة أخرى؟
✱✱ أجل أفضل هذا النوع من الكتب مع أني أحب ترجمة الابداعات الأدبية وذلك يعود إلى قضية إيماني بدور الترجمة الأساسي في التأسيس لمرحلة التنوير الثقافي، وعندي تجارب في ترجمة الرواية والقصة من الإنجليزية إلى العربية ، وكذلك من العربية إلى الإنجليزية، وهي تضيف إلى العمل المضني، الذي هو عملية الترجمة، نوع من المتعة والتأمل.

✱ ـ يقول المترجم الألماني هارتموت فِندريش: (المترجم هو القارب الذي يحمل النص من ضفة إلى أخرى)، والسؤال إلى أي مدى يكون المترجم أمينًاً على النص الذي يترجمه، بمعنى اخر ماهي اخلاقيات الترجمة؟
✱✱ للمهن أخلاقيات عامة مشتركة ، ولكل مهنة اخلاقياتها الخاصة تنبع من خصوصية العمل. وفي مجال الترجمة يجب أن يمتلك المترجم مجموعة من الصفات التي تندرج تحت مسمى أخلاقيات المترجم أو أخلاقيات الترجمة، وهي مجموعة من القواعد الموضوعية والاستعدادات الذاتية، ونظرا لأهمية الأمر فإن جمعيات المترجمين تقوم بنشر قواعد أخلاقية للمترجمين وتلزم أعضائها بمراعاتها، مثل جمعية المترجمين الأميركية والاتحاد الدولي للمترجمين،حفاظا على مهنة المترجم وتجنب الأخطاء، ومن أبرز هذه القواعد :
الموضوعية والحياد، الدقة في العمل، الاحتراف والنزاهة في ترجمة المحتوى، الالتزام بالإطار الزمني الذي يحدده الاتفاق، عدم الكشف عن المعلومات السرية، الحرص والمتابعة في تنمية المهارات ، عدم تقديم أو قبول أسعار منخفضة كنوع من المضاربة، احترام الزملاء المترجمين والمحافظة على علاقات جيدة معهم.

✱ هل يمكن للمترجم أن يترجم كل شيء؟ أم أن التخصص في الترجمة مطلوب؟
✱✱ يمكن للمترجم أن يترجم كل أنواع النصوص، علمية، أدبية ، قانونية، لكن اكتساب الخبرة في أحد هذه المجالات عن طريق العمل عليها وتطوير المهارات المتعلقة بها ييسر العمل ويزيده دقة.

✱ ـ ماهي أهم الصعوبات والتحديات التي تواجهك اثناء الترجمة من العربية للانجليزية أو العكس ؟
✱✱ بالعموم الصعوبات التي تعترض المترجم هو قضية الثقافة، فهناك دلالات لفظية وتركيبات لغوية خاصة بكل لغة وثقافة على حدى، وعلى المترجم أن يجد ما يناسب المعنى في اللغة المنقول إليها، وليس أن يترجم كلمة بكلمة، فهذا لن يعطي المعنى حقه، وعليه أولاً أن يرصد المعنى في اللغة المنقول منها، وكذلك فهم ما ورد ما بين السطور.

✱ ـ لاقى كتابك الأخير ( الكون الزجاجي ) صدى جيد وملفت في أوسط الثقافي حتى ان معظم الصحف ومحطات التلفزة تحدثت عنه،ماذا تقولين انت عن هذا الكتاب وما الذي يميزه عن غيره من كتبك المترجمة؟
✱✱ كتاب (الكون الزجاجي) رصد بداية المسعى العلمي الشاق الذي أدى إلى إعادة تشكيل فهمنا للكون - من اكتشاف النجوم التي تدور حول بعضها ، إلى فهم الاتساع المذهل للكون.
في الوقت الذي سيطر فيه الرجال ليس فقط على علم الفلك ولكن على كل فرع من فروع العلم، كان فريق من النساء في جامعة هارفارد يعملن بمثابرة وجد. يستكشف الكتاب حياة وعمل هؤلاء النساء، ويكشف عن عزمهن ومثابرتهن وتألقهن في تصنيف النجوم. و حتى قبل أن تفوز المرأة بحق التصويت ، قدمت العديدات منهن مساهمات ذات أهمية كبيرة لدرجة أن أسمائهن اكتسبت أماكن مرموقة في تاريخ علم الفلك. الكتاب توثيق تاريخي لتطور علم الفلك في القرن العشرين في مرصد هارفارد، ورواية إبداعية لسيرة ذاتية عالية الخصوصية ، ومعقدة و رائعة في نفس الوقت. الكتاب احتوى على مصطلحات علمية كثيرة لمسميات نجمية و فلكية ، تثير قضية هامة في ثقافتنا العربية ، وهي ضرورة العمل على مواكبة اللغة العربية لهذه المصطلحات الفلكية أوالعلمية كلها عموماً على يد النحويين العرب.
وختمت سمر الشيشكلي هذا الحوار بعبارة أخيرة وهي (الترجمة مهنة مضنيةٌ مضنية، فإن لم يشفع لها الشغف لن تكون بمقام الإبداع ، وهي إبداع آخر).