شكَّلت قمَّة العشرين الأخيرة التي عُقِدَت في الهند فرصة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لتسليط الضوء على بعض أوْجُه برنامجه السِّياسي على المستويَيْنِ المحلِّي والعالَمي. وإذا كانت التغطية الإعلاميَّة للقمَّة قَدْ ركَّزت على تصوُّرات مودي لجهة إظهار الهند كـقوَّة جيوسياسيَّة صاعدة، وكنموذج اقتصادي واعد.
تُعدُّ الهند من بَيْنِ الدوَل العالَمثالثيَّة ـ وفق التصنيف الكلاسيكي ـ الأنجح بتجربتها الديمقراطيَّة على المستوى الداخلي قياسًا للدوَل التي خرجت من بوتقة الاستعمار خلال القرن الماضي. وذلك بالرغم من التعدديَّة الإثنيَّة، التي تميِّز الفسيفساء في بلدٍ باتَ تعداده سكَّانه يقترب من مليار ونصف من البشر. وكانت الهند من أعمدة ما كان يُعرف بمجموعة عدم الانحياز التي قامت عام 1955، وعقَدت مؤتمرها الأوَّل في باندونج بإندونيسيا، وكانت كتلة دوليَّة فعَّالة ولها تأثير على مسارات الفعل والرأي العامِّ في حينها.
واليوم وبعد سنواتٍ طويلة، تتبنَّى الهند، في سياستها الخارجيَّة مقاربة تستند إلى مفهوم «الانحيازات المتعدِّدة» من خلال استراتيجيَّات المصالح المباشرة مع أيِّ طرفٍ كان، وهو ما يُفسِّر النُّمو المُطَّرد لعلاقاتها مع «إسرائيل» خلال السنوات الأخيرة، وتبادل الزيارات والخبرات والأعمال المتعلِّقة بالتكنولوجيا الرَّقميَّة وفي ميادين الطَّاقة والتسلح. وكذلك التعاون مع روسيا في الميدان النووي. فيما شريكتها التجاريَّة الكبرى هي الصين الشَّعبيَّة بالرغم من خلافاتهما السِّياسيَّة والحدوديَّة، والعداء المستديم بَيْنَهما لأسبابٍ أيديولوجيَّة بَيْنَ البَلدَيْنِ. وكما الحال في تطوُّر شراكتها التجاريَّة مع الولايات المُتَّحدة. ولا ننسى أنَّ الهند من بَيْنِ الأعضاء المؤسِّسين لمجموعة «بريكس» ولــ»منظَّمة شنغهاي للتعاون».
الهند تطمح، وتسعى لِتكُونُ المُمثِّل الحقيقي للجنوب العالَمي، وجسرًا بَيْنَ الغرب والجنوب العالَمي. لذلك ترى أنَّها يجِبُ أن تتمتعَ في العضويَّة الدَّائمة في مجلس الأمن في الأُمم المُتَّحدة، في سياق الإصلاحات المطلوبة في بنى وهيكليَّة وأنظمة عمل هيئة الأُمم المُتَّحدة كما يُطالب الكثير من المنظومات الدوليَّة.
وفي الوجْه الآخر، إنَّ حزب «بهارتيا جاناتا» الأصولي الهندوسي الذي يَقُودُ حكومة الهند حاليًّا، هو حزب متطرِّف بقيادة ناريندرا مودي، لذلك تعكس السِّياسة الخارجيَّة لحكومة مودي، إلى حدٍّ ما، توجُّهاتها الأيديولوجيَّة وسياستها الداخليَّة، الهادفة إلى تحويل الهند إلى «ديموقراطيَّة إثنيَّة» (لاحظوا ديمقراطيَّة إثنيَّة..!!!). يُشارك سكَّان مِثل هذه الديموقراطيَّات في الانتخابات، ولكنَّهم غير متساوين أمام القانون، وخصوصًا من باقي الإثنيَّات كالمُسلِمين (نَحْوَ ثلاثمئة مليون)، والبوذيِّين وغيرهم، وهو ما يجعل التجربة الديمقراطيَّة الهنديَّة على شفير منزلقات قَدْ تهوي بها، وتطيح بالديمقراطيَّة التي كانت يَعتَزُّ بها المهاتما غاندي، ونهرو، وأنديرا غاندي، وابنها راجيف... حيث دفعت أنديرا غاندي وابنها حياتهما في الدِّفاع عن الديمقراطيَّة في البلاد وقُتل كُلٌّ مِنْهما على أيدي متطرِّفين من الـ(السيخ)...
وحتَّى تكُونَ الهند ممثِّلةً لِتكتُّل دوَل الجنوب عَلَيْها التأكيد على الديمقراطيَّة الداخليَّة، وإنهاء الفوارق بَيْنَ الجميع، وخصوصًا المُسلِمين نظرًا لتعدادهم الكبير نسبيًّا مع الأكثريَّة الهندوسية قولًا وعملًا. وبناء علاقات طيبِّة مع الأطراف الدوليَّة (ما يُسمَّى بدوَل الجنوب) التي ربطها إطار عدم الانحياز الذي كانت الهند من مؤسِّسيه.
نحن أمام دَوْر جديد ومتصاعد للهند، الدوَلة/القارَّة، التي ترتبط بعلاقات إيجابيَّة بشكلٍ عام مع معظم الدوَل العربيَّة، خصوصًا وأنَّها بحاجة ماسَّة للنفط والغاز من البلاد العربيَّة ومِنْها دوَل الخليج. وهو ما يفترض دفع الهند من قِبل الإطار العربي لِتمتين علاقات الشراكة معها بدلًا من التوجُّه لبناء علاقات مع دَولة الاحتلال «الإسرائيلي».



علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]