التصريح الذي أدلى به الأمين العامُّ للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش مؤخرًا صادم ومُرعب ويدعو إلى القلق والخوف حين أطلق صرخة تحذير قائلًا إنَّ «الانهيار المناخي قَدْ بدأ» وإنَّ «المناخ ينفجر بوتيرة أسرع من قدرتنا على المواجهة مع ظواهر جوِّيَّة قصوى تضرب كُلَّ أصقاع الأرض».. جاء ذلك تعليقًا على تقرير مرصد كوبرنيكوس الأوروبي الذي أشار إلى أنَّ معدَّل الحرارة العالَميَّة سجَّل خلال شهرَي يوليو وأغسطس أعلى مستوى له حتى اليوم لِيصبحَ 2023 أكثر الأعوام حَرًّا على الإطلاق.
للأسف الحقيقة المؤلمة التي أعلنها جوتيريش كانت متوقَّعة في أيَّة لحظة.. فظاهرة الاحتباس الحراري زادت وتيرتها بصورة كبيرة وارتفع معدَّل وقوع الكوارث الطبيعيَّة المُدمِّرة بطريقة مُفزعة وصارت تضرب كافَّة أركان الأرض دُونَ تمييز.. ولعلَّ زلزال الشقيقة المغرب والصَّديقة إندونيسيا وإعصار دانيال الذي ضرب الشَّقيقة ليبيا ومن قَبلهما زلزالا سوريا وتركيا وحرائق الغابات في هاواي وغير ذلك الكثير أكبر دليل على هذا.. فهذه الدوَل لَمْ تكُنْ تعاني من مِثل هذه الكوارث الطبيعيَّة من قَبل.. ولكن تجاهل ظاهرة الاحتباس الحراري والاستهلاك الجائر للطبيعة، والإصرار على استخدام الوقود الأحفوري في النشاط الصناعي الزائد للإنسان يُسهم في زيادة معدَّلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوِّي ويودي بنا في النهاية إلى الهاوية.
إنَّ عدم مواجهة الاحتباس الحراري بالشكل الأمثل والصحيح جعل الطبيعة تكشر عن أنيابها.. ففي الأيَّام الأخيرة شاهدنا وما زلنا نشاهد الآلاف من القتلى والجرحى والمُشرَّدين والدَّمار للآلاف من مساحات الأراضي والمباني والبنى التحتيَّة والممتلكات.
أمَّا بالنسبة لبلادنا الحبيبة فهي بالطَّبع ليست بمنأى عن التأثر بالتغيُّرات المناخيَّة.. ولعلَّ الأعاصير التي مرَّت بنا في السنوات الأخيرة خير برهان.. ولكنَّ قيادتنا الحكيمة لا تدع شيئًا للظروف.. فقَدْ وضعت استراتيجيَّة وطنيَّة للتكيُّف والتخفيف من التغيُّرات المناخيَّة (2020-2040) يتمُّ خلالها دراسة الإجراءات الواجب اتِّخاذها لمواجهة التأثيرات المستقبليَّة لتغيُّر المناخ وكيفيَّة التكيُّف معها.. فالدَّولة ماضية في التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتستبدلها بوسائل الطَّاقة النظيفة المُتجدِّدة حتَّى تقلِّلَ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري قَدْر الإمكان.. إلى جانب التركيز على استحداث تدابير للتكيُّف بالاستثمار في البنية التحتيَّة المَرِنة حتَّى تكُونَ الخسائر أقلَّ ما يُمكِن وبالتَّالي تقلُّ الآثار السلبيَّة لتغيُّر المناخ.
السؤال هنا: ما الحلُّ لمواجهة هذه الكوارث؟
أعتقد أنَّه لا سبيل للتخفيف من كوارث الزلازل والبراكين سوى تكاتف العالَم أجمع بحلِّ مشكلة الطبيعة الثائرة واتِّقاء شرِّ غضبها أكثر من ذلك، وهذا لَنْ يحدُثَ إلَّا بسعيِ العالَم لإعادة الطبيعة إلى فطرتها السليمة فيبحث عن الوسائل المناسبة لمواجهة قويَّة وسريعة للاحتباس الحراري الذي دخل ـ للأسف ـ حيِّز التنفيذ في تدمير البَشَريَّة.. فما يشيده الإنسان من معالم حضاريَّة في سنوات تأتي الكوارث الطبيعيَّة لِتدمِّرَه في ثوانٍ معدودة. إنَّ حلحلة مشكلة المناخ تحتاج لإرادة سياسيَّة جادَّة وفاعلة من قِبل الدوَل العظمى والدوَل الصناعيَّة إلى جانب تكاتف جميع دوَل العالَم على السَّواء وتنفيذ توصيات الخبراء في أسرع وقت مُمكن.. فممَّا لا شكَّ فيه أنَّ هذا الملف الشائك لَمْ يَعُدْ يحتمل التأجيل أو المماطلة، فالحفاظ على الموارد الطبيعيَّة صار مطلبًا ملحًّا وضروريًّا لإنقاذ الأرض.. بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات في مجال الطَّاقة المُتجدِّدة النظيفة مِثل الطَّاقة الشمسيَّة والرياح والهيدروجين الأخضر الذي أصبحت تتَّجه له في الوقت الحالي معظم الدوَل؛ لِمَا له من مميّزات كونه الحلَّ الأمثل لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ولأنَّه يعطي أعلى طاقة تفوق الغاز الطبيعي دُونَ الإضرار بالبيئة. نتمنَّى أن تحلَّ أزمة المناخ في أسرع وقت ممكن مع إلزام الدوَل بالوفاء بتعهداتها حتَّى ننقذَ الكوكب من الفناء قَبل فوات الأوان.



ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني