الفنون الشعبية العُمانية تستمد عراقتها من أصالةِ الشعبِ العُمَاني، إذ يرتبط فن الشعب العماني بحضارته منذ القدم، فالمجتمع عبارة عن مجموعة من الأفراد تجمعهم قواسم مشتركة عديدة من ضمنها هذا الفن الذي يمثل بلادنا ويرتبط بها ارتباطا وثيقا، من خلال مجموعة من الفنون الشعبية الراقية والأصيلة بإصالة الحضارة العمانية. 

لقد ارتبطت الموسيقى بالإنسانِ منذ العصور القديمة، واستُخدِمَتْ كعلاج للكثيرِ من الأمراض، فالموسيقي تُعدُّ روح الطبيعةِ النابضة، ومنذ أنْ عرفَها الإنسان وهو يداعبُ بأناملهِ الصغيرةِ مختلف الآلات الموسيقية انسجاما مع الطبيعة، فهي تجمع بين صوت وروح الطبيعة وبين خاماتها، إذ تستمد مصدرَ إلهامها من عزف الطبيعةِ الأم الذي يتمثل في صوت الرعد والبرق، وصوت الأوراق، وزقزقة العصافير، وخرير الماء، وصوت المطر، وتنفس الطبيعة في شكل حمم بركانية، كلها أنغام جسدت الموسيقى في أرقى معانيها، ومن هنا جاء اهتمام الإنسان العماني بالفنون الشعبية انسجاما مع الطبيعة في عمان التي تختلف من محافظة إلى أخرى.
من الفنون العُمانية المميزة وأرقاها، الفن البحري، فالسلطنة تحتوي على شواطئ عريضة وواسعة، وقد أضفى تنوعها الجغرافي وتمايز التضاريس روحا للفن العماني، وأعطاها تنوعا متناغما بين مختلف الولايات، فالفن البحري بألحانهِ وتردد أصدائه يتنوع من ولاية إلى أخرى، متأثرا بثقافة تلك الولاية وارتباطها بهذا الفن العريق.
وقد اشتهرت مناطق عدِّة في عُمان بالفن البحري، مثل: ولاية صور، تلك الولاية العريقة التي يداعب البحر أطرافها، فكيف لا تتناغم مع ألحانه وأمواجه وتقدم من الفن الراقي ما يطرب القلب قبل الأُذن، ثم ننتقل إلى الباطنة تلك العروس الحالمة والموشحة بالفن العريق، ومن الباطنة نذهب إلى الجنوب برفقة تلك الجنة الخضراء التي صاغها الرحمن في أبهى حلة؛ فتنسجم النغمات البحرية مع تلك الطبيعة الفاتنة في الجنوب لتصنع فنا بحريا يأخذ الألباب ويتناغم معه القلب قبل العقل.
بذلك، تختلف الفنون البحرية حسب الموقف والغاية، فمنها ما يُؤدَّى في السفينة وهي راسية، ومنها ما يؤدى أثناء إبحار السفينة، وبعض الأنواع تؤدى على الشاطئ، وتختلف الآلات الإيقاعية المستخدمة في تأدية الفن البحري، ومن هنا كان لابد أنْ نسردَ كُلَّ فنٍ بجمالياتِهِ وحقائقِهِ سردا يستحقُ أن يخلِّدّه العقل البشري.
إنَّ الفنون الشعبية تندرج ضمن قائمة التراث غير المادي، وقد مارس البحار العماني الفن البحري، بسبب الرحلات الطويلة والشاقة التي كان يخوضها، وكل تلك المشاعر المصحوبة بالمشقة والأحزان بسبب البُعد عن الوطن أحيانا، والمسرات أحيانا أخرى قد خلقت فنا بحريا تمتزج كلماته وألحانه ما بين اللحن الشجي ولحن الفرح، وقد صنع الإنسان العماني أدوات ذلك الفن من منتجات البيئة المحيطة به، فالإنسان العماني مبدع في التفاعل مع بيئته.
يقوم البحارة بأداء الفن البحري، للتخفيف من مشاق السفر ولتحمل مسافات السفر الطويلة، وتأخذ الفنون البحرية أشكالا متعددة، منها: اليامال، والخطفة، والحدادي، والأهازيج، والأصوات البحرية، وأهم ما يميز عماننا الحبيبة في الفن البحري الفن البحرية المُغنَّاة مثل: الشوباني، والصوت ، والمديما.

1.فن (الصوت) أو كما يعرف باسم (البداعي) وهذه الكلمة جاءت من الإبداع، هو فن طربي بحري يستنهض همم البحارة لمواصلة الرحلة الشاقة واستمرار العمل، وهو عبارة عن فن بحري لا تكتمل الرحلة بدونة فهو فن يؤديه البحارة على متن السفينة، وهناك شروط للشخص الذي يؤدي فن الصوت، فلابد أن يكون من أصحاب الأصوات الشجية، والتي تحفظ العديد من الأشعار والقصائد المغناة؛ لأن صوته الشجي والمبحوح هو ما يعين لهذا الفن البحري وهو عبارة عن شلات بحرية تتحدث عن حياة العمانيين على ظهر السفينة، ويتضمن هذا الفن كلمات معبرة والدعاء بالرجوع إلى أرض الوطن بالسلامة وهو فن عماني أصيل، وهذا الفن اقترن دائما بحنجرة المصوت الذهبية فعُرِفَ باسم الصوت.

2.الشوباني: هو أبو الفنون البحرية، فن يتميز به البحار العماني، وقد قام البحارة بتطوير هذا الفن، ومحاولة تجديده؛ من خلال الإيقاعات أو الأدوات المستخدمة في أداء الفن، وهو فن يجمع العمل بالتسلية كما إنه أشبه بفن المسيرة.
3 -المديما: من فنون التسلية لدى البحارة، وهو عبارة عن فن يؤدي بتنوع مراحل الرحلة؛ سواء كانوا على الموانئ أو أثناء الإبحار أو أثناء وقوف السفينة.
من خلال كل هذه الفنون البحرية الممتزجة بثقافة الإنسان العماني وحضارته؛ نجد ذلك التنوع العميق الذي يأخذ بِلبِّ الروح قبل العقل في فهم ذلك الإنسجام الرائع بين الإنسان وفنه وارتباط الفنون بحياة الإنسان والتعبير عنها بذلك الكم الهائل من الألحان والأهازيج، كل هذا التناغم أدى إلى نتائج رائعة، ومنها تحمل الإنسان العماني لمشاق السفر لمسافات طويلة والصبر على كسب لقمة العيش، بل وصل العماني بتلك الأهازيج إلى حدود الصين ليقوم بكتابة العديد من الأراجيز والقلائد الشعرية البحرية المغناة. وعلى الرغم من أن الفن البحري قد كان نادراً في المنطقة، فإن عمان كانت من الدول التي تعتبر نقطة تجمع لهذا الفن. وتعتبر المخطوطات التي تعرض الفن البحري في عمان كثيرة، وهي مصدر مهم لمعرفة تاريخ هذا الفن في المنطقة. كما أن المتحف الوطني يعرض العديد من الأعمال التي تعكس الفن البحري في عمان، ويعد مصدراً مهماً للغاية للتعرف على هذا الفن.
علاوة على ذلك، فإن الأساس التاريخي للفن البحري في عمان يعود إلى العصور الوسطى، وتعتبر الأعمال التي تم تخصيصها لهذا الفن في عمان معجزات فنية كبيرة. ومع ذلك يجب العلم بأن الفن البحري في عمان قد نشأ وتطور على مدار العصور، وتعتبر أعماله الحديثة مثيرة للاهتمام. ويعد البحث في هذا المجال ذات أهمية، لضمان الاستمرارية الثقافية للفن البحري في عمان.


نعيمة الخروصية
كاتبة عمانية