في يوم من أيام عام 1976 طلب فتى في عمر الخامسة عشرة من والده أن يقرضه مبلغ 5500 ريال عُماني لشراء شاحنة معروضة في مزاد علني للجيش السُّلطاني العُماني، لم يكن الابن متعلمًا، ولم يكن عنده أيُّ مصدر دخل، وبما أنَّ والده كان يثق برأيه ثقة عمياء، ويرى أثَر تربيته فيه، فقد وافق على طلبه، بالرغم من أنَّه لم يكن لديه المال الذي طلبه ابنه، لكنَّه سعى معه إلى رجل فريد جمع بين التجارة والإنسانية والكرم وهو الشيخ عبدالله بن سعيد بدر الرواس، استقبلهم بالحفاوة التي يستقبل بها جميع ضيوفه، لا يميز بين فقير وغني، ولا بين شاب وعجوز أو طفل، يرحب بهم جميعًا في مجلس بيته ويستدعي أبناءه لخدمتهم.كان مجلس هذا الرجل بحق دار ضيافة، ودار حل مشكلات الناس، ومكانًا للحوار والمناقشات وإبرام الصلح بين المتخاصمين، وحل المشكلات.. كان مجلسه بحق سبلة لجميع سكان ظفار من الشرق والغرب من المدينة والجبل والبادية، يرتاده أشخاص من جميع الفئات والأصناف.كان قلب الشيخ عبدالله بن سعيد بدر الرواس يتسع للجميع، وعندما أقبل عليه سالم بمعية والده، انبهر بهذا الرجل المهيب بالرغم من بساطة لباسه ومظهره وطيبته التي تأسر قلوب من يقتربون منه، كل الذين يرتادون مجلسه يعتبرون أنفسهم أصدقاءه، وهو يعبر لهم كلهم عن حبه وتقديره، يجلسهم في أماكن تليق بهم، يخاطبهم بأسمائهم، يسألهم عن أخبارهم، يستمع إلى طلباتهم، يذهب معهم إلى غرفة مستقلة إذا طلبوه على انفراد في كلمة (أُذُن).وهذا ما حدث مع أبي سالم وابنه، فبعد أن سلَّما عليه في المجلس بحضور عدد كبير من الضيوف، طلبه أبو سالم في كلمة خاصة، وفورًا استجاب الشيخ عبدالله وتقدمهم إلى غرفة مجاورة للمجلس ثم دعاهما للجلوس، واستمع إلى أبي سالم الذي طلب منه اقتراض مبلغ 5500 ريال عماني، وفورًا عرض الشيخ على أبي سالم وابنه أن يكفلهم في البنك للحصول على هذا المبلغ، لكن الأب أصرَّ قائلًا ما أقبل أن يبدأ ابني سالم مشروعه بدين من البنك، أعطنا المبلغ من مالك ونحن نسدده لك نقدًا كما استلفناه منك، وبدون جدال أخرج الشيخ عبدالله المبلغ المطلوب ودفعه إلى أبي سالم وابنه، ثم عاد إلى المجلس، بينما ذهب سالم برفقة والده واشترى الشاحنة، حيث أعاد صيانتها وتأهيلها لتكون جاهزة لنقل أحجار البناء وشحن الخيام وشحن البضائع من الميناء إلى مناطق مختلفة داخل صلالة، وبعد مضي شهور قليلة حضر سالم إلى مجلس الشيخ عبدالله ومعه المبلغ الذي اقترضه بالكامل في كيس نايلون، وأمام نفس الوجوه التي ترتاد مجلس الشيخ أعاد المبلغ نقدًا، فابتسم الشيخ عبدالله وهو يعلق بصوت إعجاب: هذا الشاب وفيُّ وصادقٌ ويستطيع أن يصنع المال، وسينجح في التجارة. يقول سالم لقد رسخ ذلك التأكيد في عقلي منذ عام 1976م حتى هذه اللحظة، لقد شجعني تعليقه أن أؤسس شركتي الخاصة في مجال المقاولات، واستطعت من خلال عملي على تلك الشاحنة أن أبني شركة قوية تمتلك اليوم أسطولًا من المعدَّات الثقيلة والخفيفة، ويعمل فيها عدد كبير من العمال والموظفين وأسهمت وتُسهم في تشييد العديد من مشاريع التنمية.رحل الشيخ عبدالله بن سعيد بدر الرواس وأنا ما زلت أروي قصته عرفانًا ووفاءً وإعجابًا بشخصيته المدهشة التي تجمع ثنائية متجانسة لشخصية التاجر الرجل الذي سخر جهده وماله لخدمة الناس ورأب الصدع بينهم وإصلاح ذات البين بين القبائل والأفراد. د. أحمد بن علي المعشني رئيس أكاديمية الناج للتنمية البشرية