تُشكِّل مُدن المستقبل نماذج معماريَّة وإنسانيَّة مبتكرة لمواكبة التطوُّرات المتسارعة في العصر الرَّقمي، تتشكَّل ثقافة بنائها المعماري والثقافي والحضاري في الغالب حَوْلَ فكرة الاستدامة ومواكبة التكنولوجيا واحترام البيئة وتطوُّر المواصلات والنقل، وتوفير معيشة أفضل على المدى الطويل لقاطنيها.
فكرة مُدن المستقبل من الأفكار الرائدة التي بدأت بالانتشار في عصرنا الراهن بشكلٍ متزايد، لعلَّ أبرز النماذج المعاصرة والحاضرة عليها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ كُلٌّ من مدينة (فوجيساوا) الخضراء و(تويوتا فوفن سيتي) في اليابان، ومدينة (ذا لاين) في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وجزيرة الكريستال في موسكو الروسيَّة، كما أنَّ البعض وصل به الطموح والحلم إلى ما هو أبعد من ذلك مِثل فكرة إنشاء مدينة (تيلوسا) في الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة أو المدينة الفاضلة للملياردير الأميركي مارك لور.
عند الحديث عن مُدن المستقبل وماهيَّتها تستشعر كيف أنَّ الإنسان المعاصر والثقافة الإنسانيَّة في القرن الـ21 تسير بشكلٍ متسارع وطوعي (الطوعيَّة اللاإراديَّة) نَحْوَ العصرنة والتغيير الجذري، وكان هناك مَن يقود البَشريَّة نَحْوَ تلك الأشكال والنماذج المعماريَّة التي طالما شاهدناها على شاشات التلفزيون والسينما، حيث الخيال العلمي ومُدن الفضاء.
مدينة السُّلطان هيثم من النماذج المعماريَّة الاستراتيجيَّة التي تدخل قائمة تلك المُدن الذكيَّة والمعاصرة حَوْلَ العالم استنادًا إلى رؤية سلطنة عُمان 2040، على مساحة تبلغ 14.8 مليون متر مربع، تستوعب 100 ألف نسمة بمعدَّل 20 ألف وحدة سكنيَّة، بمسطَّحات خضراء تبلغ مساحتها 2.9 مليون متر مربَّع، ترتكز حَوْلَ اقتصاد المعرفة والتشاركيَّة الاقتصاديَّة وتُحاكي الحياة العصريَّة بمختلف متطلَّباتها الإنسانيَّة والثقافيَّة والتكنولوجيَّة.
ما نَوَدُّ الإشارة إليه والتأكيد عليه في هذا السِّياق أنَّ حجم الرؤية والطموح (الدعاية والتسويق للمدينة) يجِبُ أن يوازيه بالمِثل واقعيَّة التطبيق والتنفيذ والنظرة المستقبليَّة لكُلِّ شيء، (التوان بَيْنَ دائرة الفكر وصناعة القرار مع دائرة التنفيذ) مع ضرورة الحذر والتحوُّط من التحدِّيات والمُتغيِّرات المستقبليَّة غير المحسوبة، خصوصًا تلك التي تتداخل والبيئة الأمنيَّة العالميَّة مِثل المتغيِّرات المناخيَّة والتحدِّيات الاقتصاديَّة. فعلى سبيل المثال، يجِبُ أن نضع في الحسبان كيف ستتلاءم هذه المدينة وتقاوم الأنواء المناخيَّة (الأعاصير على سبيل المثال) بحيث لا تتعرَّض هذه المدينة إلى أضرار جسيمة، وبالتَّالي خسائر فادحة لا قدَّر الله جرَّاء تلك الأحداث الطبيعيَّة.
جانب آخر يجِبُ مراعاته، وهو جانب لا تقلُّ أهمِّيته عن تحدِّيات المناخ ومعوِّقات التمويل، أقصد واقعيَّة المدينة من حيث التجهيزات المستقبليَّة وملاءمتها للمستقبل، ومواكبتها لمثيلاتها من المُدن الذكيَّة والمعاصرة، حيث يجِبُ أن نضع في الحسبان أنَّ هذه المدينة ستكُونُ واجهة وطنيَّة تحمل اسم جلالة السُّلطان، واجهة وطنيَّة تحمل اسم سلطنة عُمان، سمعة وطنيَّة وقِيمة مضافة إلى الصورة الذهنيَّة العالميَّة.
لذا ليس من المقبول أبدًا أن نشاهد ثغرات من المفترض أن لا تحدث في جوانب النقل والاتِّصالات والأمن (تقليص مستوى الجريمة إلى المستويات الدنيا أو انقِطاع شبكات الإنترنت أو ضعفها..إلخ) بالإضافة إلى فوارق الخدمات بَيْنَ ما هو خارج هذه المدينة وبَيْنَ ما تتضمنه، مِثل المدارس والمستشفيات والنوادي..إلخ.
ختامًا وإن كان من توصية أخيرة فهي أهمِّية متابعة ردود المُجتمع ووجهة نظرهم حيال هذا المشروع الوطني الضَّخم، خصوصًا موضوع الأهمِّية والمردود المستقبلي فهم جزء لا يتجزَّأ من أيِّ مشروع وطني، كما يجِبُ أن يأخذ الإعلام دَوْره ومسؤوليَّته حيال الدعاية والتسويق والتوعية حَوْلَ هذه المدينة. كُلُّ الأمنيات الصَّادقة لهذا الوطن الحبيب بالتقدُّم والرخاء والاستقرار، ولأهله المزيد من الحياة الطيِّبة الكريمة، ولقيادته الإنسانيَّة الرشيدة التوفيق والسَّداد. اللهُمَّ آمين.


محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @