- عبدالكريم عبدالقادر ..عاطفة الحب ودفء القلوب وشجن يضمد الجراح- فتحي محسن :عبد الكريم إنسان عاطفي كان قريبا من الناس وعاشقا لوطنه الكويت- محمد الصالحي:«الأذن العمانية» كالأرض البكر تستقبل سفر الغيوم وتحتضن سيولها- عبد الحميد الدوحاني: «الراحل» علامة أصلية لا يمكن استنساخها مهما تعددت المحاولات- عبد العزيز العميري:يحزن لفقده النهام فـي عرض البحر ويجاوب صدى حزنه الحادي فـي الصحراء وهو يجر أغنيات المغني بصوت جريح كتب ـ خالد بن خليفة السيابي: فقدت الساحة الفنية الكويتية والخليجية والعربية مؤخرا المطرب الكويتي عبدالكريم عبدالقادر، والذي وصفه الكثيرون بأنه (برج الكويت الرابع) رحل وترك لعشاقه إرثا فنيا مغلفا بعذوبة الطرب الأصيل، ليرتشف جمهوره طهر جمال العاطفة من خلال روائع أعماله الفنية.(الصوت الجريح) مسيرة عطاء امتدت ستين عاما قدم خلالها أغاني خالدة عبرت عن مشاعر المحبين والعشاق وهي بمثابة (بلسم الجراح) ومن أغانيه (ردي الزيارة) و(منزلك عيني) و(شفتك) و( نامت عيوني ) ارتبطت أكثرأعماله بالحزن والحرمان واللوعة والأشواق الحارة.حول تأثير الفنان عبدالكريم عبدالقادر على الساحة الفنية والخليجية والعربية والمكانة الفنية التي صنعها في منطقة الخليج وبقاء صوته دافئا في ذاكرة الكثيرين ممن عاصروه، التقينا بعدد من الشخصيات التي لها بصمة فنية وأدبية في الساحة العمانية سواء في مجال التلحين أو الشعر. يقول الملحن العماني فتحي محسن: عبد الكريم عبد القادر رمز من رموز الأغنية الخليجية والعربية بشكل عام والكويتية بشكل خاص، احترام الفنان الراحل لفنه ولشخصه أعطاه مكانة كبيرة بنفوس وقلوب الفنانين أنفسهم وعند الجمهور بشكل عام، عبد الكريم لم يرتبط اسمه بالموسيقى الصاخبة ولم يبحث عن الشهرة رغم أنه فنان مطلوب في كافة الوطن العربي، لكنه كان يرفض حضور الحفلات لتفضيله الابتعاد عن الصخب والضجيج، رغم العروض الكثيرة من عدد من الدول العربية، وحتى عندم طلب منه أن يتواجد خارج حدود الوطن العربي، وبطبيعة الحال يملك قاعدة جماهيرية كبيرة وهو عاشق لجمهوره وإنسان عفوي ومتواضع جدا مع كل الناس، ومايميز الفنان عبد الكريم عبد القادر العاطفة، فهو إنسان عاطفي قريب من كل الناس وقريب من وطنه (الكويت) لا يحب أن يخرج خارج حدود دولته، وعلى حد علمي هو إنسان يحب المكوث في منزله وسط أسرته ويعشق أيضا لمة الأصدقاء.وأضاف : عبد الكريم عبد القادر قدم الأغنية الكويتية بالطريقة الرومانسية العاطفية رغم كبر سنه وهو من الرعيل الأول، لكنه لم يقدم الأغنية الشعبية رغم أن الكثير من الفنانين قدم الأغنية الشعبية الكويتية والأغنية الرومانسية، لكن عبدالكريم تخصص في الأغنية الرومانسية العاطفية وقدمها في أجمل إطار فني، ويقترب منه الصغار والكبار، وتتلمذ على يديه الكثير من الفنانين واستفادوا من خبراته وتجربته وذوقه الشخصي الرفيع، واختياراته، وتميز صوته بالدفء الذي يعكس جمال شخصيته ويتناسب مع تكوينه، وتعاون (الراحل) مع الكثير من الملحنين في البدايات مع الملحنين يوسف المهنا وأحمد باقر، انتهاء بالفنان الملحن عبدالرب إدريس، وتعاون مع العديد من الشعراء ـ الأمراء والشعراء الكبار الخليجيين والعرب.أما الشاعر محمد الصالحي يقول : (شيئان لا تستطيع النظر إليهما: الشمس والموت) جاء هذا الفنان كزخات المطر، لتنبت في حياتنا الكثير من أشجار الحب والحنين، واكب ظهور هذا الفنان معنا هنا في سلطنة عمان خاصة مع انفتاح عمان على الآخر بعد تولي المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد الحكم في البلاد، ومن ثم جاءت أواخر السبعينات تلتها الثمانينات التي راجت فيها شرائط «الكاسيت» ودخلت التلفزيونات المنازل و كذلك السيارات، ورافق ذلك ظهور الكويت في ذلك الوقت رائدة للفن الخليجي، سواء المقروء أو المشاهد أو المسموع، وكانت (الأذن العمانية) كالأرض البكر تستقبل سفر الغيوم، وتحتضن سيولها، فمن (زويد) و(الدوخي) و(شادي الخليج) و(عبدالمحسن المهنا) و (رباب) و(نوال) ولاحقا (الرويشد) في المجال السمعي، إلا أن تفرد الفنان عبدالكريم عبدالقادر جاء من تراكيب صوته، فقد كان صوته مسحوبا بشراع الحب والحنين و الفراق والأمل، فأنت عندما تستمع لعبدالكريم قد تكون تستمع لكتاب أيامك، فهذا الفنان ينقلك من العالم الحقيقي للعالم الحالم فتزيد سعادتك أو يتلطف حزنك. وأضاف : ارتبط عبدالكريم عبدالقادر بحياتنا، فنحن في بداية الثمانينات كانت الحياة أكثر بساطة وأقل تعقيدا مما هي عليه الآن، فعندما تدير شريط الكاسيت و يتسلل صوت (عبدالكريم)؛ كل الصحاري تتحول إلى أزهار عطرية فواحة بالحنين، وعندما نسمع (بالهون عليه بالهون ..احبيبي المزيون..ما اقدر على فراقه ..غالي وعليّ ما يهون) تعود إلينا البراءة والطفولة، فهذا الصوت يستطيع أن يعزف على أوتار قلوبنا، فرحلنا معه نتتبع أغانيه و نتبادل أشرطته وكذلك مشاهدة الفيديوات التي سجلها؛ سواء كانت العاطفية منها أو الوطنية حتى الرياضية مثل (هيدو..أور كمل زرق الفنايل راكبين جمال..هيدو ..زرق الفنايل غنوا اليامال..كويتي ياحلو الاسم ..كويتي والله والنعم) التي اسعدتنا بتأهل منتخب الكويت لمونديال 82. ويكمل (الصالحي): لذلك شكل صوت عبدالكريم جزءا مهما من حياتنا، هذا الصوت الذي لامس أرواحنا مع شعراء لهم باع طويل كبدر بورسلي وعبداللطيف البناي والبدر ودايم السيف ومحمد العبدلله الفيصل وغيرهم و كذلك من الملحنين أمثال: عبدالرب إدريس وسليمان الملا وأنورعبدالله وغيرهم، بمعنى كان هناك تكامل بين أضلاع الفن من كاتب كلمة وملحن و مؤدي، و(الراحل) لم يختر الحزن، ولكن الله وهبه حنجرة تشبه آلة الكمان يستطيع عازفها أن ينقلك من عالمك إلى عالم آخر، كلما جر ذلك القوس عليها، هكذا هو صوت عبدالكريم؛ كلما ارتفع انجر ذلك القوس في قلوبنا يعزف معه الكثير من الذكريات والحنين و الأشواق فعندما تسمع (مد الخطاوي وعاود يا خلّي ابساعفي خافقي صار حبّـك يالزّين مطبوعالحب بيني وبينك مكشوف لقناعيعطي البراهين ما بين آهات و دموع)، كان صوته يدخل دون استئذان يلامس أرواحنا، ويذهب معنا إلى حياتنا، وينام معنا حالما بالغد، ولعل ما يؤلم في الأمر إن بعض أغانية ارتبطت بأحداث حزينة معنا، فصرنا ندلل على ذلك الحدث بتلك الأغنية، والأمّر من ذلك إذا توافقت كلماتها مع حزنك، فقد تنمو أحزانك وتطول وأنت تسمع (الحزن رسم بعيني .. والقدر بينك وبينيوانجبرت .. اعترف لكوش حيلة المجبور)لذلك ربطنا الكثير من مراهقتنا وشبابنا ومغامراتنا بأغنياته وناسب ما يغنيه أرواحنا، فنبرة الحزن و اللقب الذي سرى عليه بأنه صوت الحزن، أكد ذلك معنا وربطنا كل مشاعرنا بصوته ونحن نكبر وهو بالمثل حتى كدنا أن ننسى معه فوارق الزمن حتى جاء الموت ليخطفه من بيننا جسدا، أما إرثه فباق بقاء الزمن فمن يستطيع أن يمسك بممحاة ويمر على (مشتريه بماي عيني و مدل له..مشتريه..مثل الطفل يزعل علي واتحمله.. ما حيلتي طبعي السماح..أذكر من العمر اللي راح ..عشرة عمر و سنين اتحمله اتحمله مشتريه) هناك الكثير من يغادروننا جسدا، وتبقى أرواحهم كطيور بحرية محلقة في سمائنا، تحوم على بيوتنا وعلى أفكارنا، نتشارك معهم الماضي الجميل الذي مشيناه معا ، (بوخالد) من الأصوات التي ستبقى لأنها غنت بصدق، دون النظر للشهرة المفرطة، فحاز محبة الناس حيا و ميتا. فيما قال الشاعر عبد الحميد الدوحاني: كما يعلم الجميع بأن جيل الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى التسعينات نشأ على تغذية روحه بصوت الراحل عبدالكريم عبدالقادر منذ الصغر إلى اليوم الأخير من حياته، لذلك لاغرابة في أن يستقي معظم الفنانين فنونهم من مسيرة هذا الفنان الراقي ألقا وخلقا، ومايميزه الحس الصادق والنبرة المتفردة غير المصطنعة صنعت من (عبدالكريم) ماركة لا يمكن استنساخها مهما كانت المحاولات . وأضاف: بدايته الحزينة التي استهل بها طريقه كانت هي المد لذلك الحس الحزين الذي ارتبط به طوال مشواره الفني من خلال (غريب) و(باختصار) و(عاشق ) و(ظل صبري يطول) و(رد الزيارة) وغيرها من الملاحم الفنية الراقية التي ارتبطت بحياة كل خليجي من خلال ملامستها لواقع الغالبية العظمى منهم . من جانبه قال الشاعر عبد العزيز العميري: الفنان عبد الكريم عبد القادر كما صنفه الكثيرون بأنه برج الكويت الرابع، هكذا كان، وسيظل أثره، هو ظاهرة فنية نادرة في كل تفاصيلها وجزئياتها ومراحلها، في تاريخ الاغنية الخليجية والعربية بما قدمه من أعمال خالدة ظلت حاضرة في الذاكرة الجمعية لعشاق الطرب الأصيل، (الصوت الجريح) حتى في ظهوره الإعلامي هو ظاهرة فريدة من نوعها إذ كان مقلا في ظهوره، وترك أعماله تتحدث عنه، فقد ترفع عن الظهور المجاني، ولم يدخل في أي مهاترات فنية، ولم يلهث خلف المادة التي سقط فيها العديد من المطربين، بل ظل محافظا على بريقه وتوهجه لأنه كان ذكيا في اختياراته وكلماته، فقد تعاون مع أبرز شعراء الاغنية داخل الكويت وخارجها وقدم ألوانا مختلفة لحنا وكلمة وان كانت ثيمتها الطاغية هي (الحزن) ولكن الحزن الذي قدمه الصوت الجريح هو حزن مستساغ، إنه حزنُ تستعذبه النفس، فالصوت الجريح كان طائرا حزينا هو سربُ لوحده في سماوات لا يشبه فيها إلا نفسه، وفي اعتقادي أن الحزن هو مكوّن إبداعي ومصدر للأبداع فالفنان أو الشاعرأو الكاتب تكون اغلب ابداعاته نتاجها الحزن والأمثلة على ذلك كثيرة، وبشكل عام أرى ان تاريخ الاغنية العربية والخليجية بشكل خاص سيطرت عليها ثيمة الحزن بشكل أكبر، وأبرز الاعمال الفنية الأصيلة والروائع الخالدة كانت حزينة بامتياز. وأضاف: لعل صوت عبد الكريم عبد القادر وبحة الحزن التي تميز بها كان لها اثر في ذلك واعتقد أنه أدرك بذكاء ما يتمتع به صوته من حزن شجي، لذلك اختار هذا المسار وحتى هو بنفسه أكد ذلك عندما سئل في مقابلة له عبر (قناة الجزيرة) لتحديد هويته الفنية صنفها بقوله:(الرومانسيات ومسحة من الحزن هذا اللي يناسبني أحس فيه «وايد وايد شعورا وصوتا» صوتي يساعدني اترجم هذا الحزن بالكلمة واللحن). واختتم (العميري) بقوله: بلغة حزينة نحن أيضا نودع عبد الكريم عبد القادر ونقول له (وداعية) بل نغنيها وهو بيننا بصوته، هكذا يرحل المغني، فيتوجع الناي، وتبكي العصافير التي غني معها، وغنت معه، يحزن لفقده النهام في عرض البحر، ويجاوب صدى حزنه الحادي في الصحراء وهو يجر أغنيات المغني بصوتٍ جريح.