لقد مرّت بي هذه الآية وشدتني عضاتها، واستوقفتني مدلولاتها؛ فالله تعالى يقول في كتابه العزيز:(وتزودوا فإنّ خير الزاد التقوى)، فالزاد لفظ يطلق على الطعام عمومًا، وعلى زاد المسافر خصوصًا، والتزود يكون للمسافرين خاصة؛ فهم يحملون معهم ما يغذوهم في سفرهم، وينتفعون به بعد وصول وجهتهم، والسفر لا يكون مريحًا غالبًا فهو قطعة من العذاب كما وصفه (صلى الله عليه وسلم).والمتأمل في الحياة الدنيا هي سفر، بل من أشق الأسفار؛ فالسفر يكون شاقًّا إذا كان طويلًا، وليس أطول من الرحلة إلى الدار الآخرة، والسفر يكون شاقًّا بقدر المنغصات التي تعترض المسافرين، والكدر كل الكدر في هذه الرحلة، وما يمرُّ بنا فيها من مرض وسهر وقهر وفراق.والزاد له دور مهم في الترفيه عن المسافرين، وبقدر توفره يكون له أثر في رفاهية الرحلة، والله ذكر التقوى ووصفها بأنها خير زاد للمسافرين إلى الدار الآخرة، والتقوى هي منزلة خاصة مع الله، ومعناها كما فسّر بعض أهل العلم: هي أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك .سبحان الله.. فالأجير أو العامل أو الموظف عند وجود رب العمل على رأسه فإنه يعمل كعقرب الساعة، وعند غيابه يقل ذلك الإتقان إلا ما رحم ربي، وأيضًا لو استشعر المسلم رقابة الله واطلاعه على السر وأخفى لعظُمت منزلة الله في قلبه ولراقب الله في قوله وفعله، وفي همسه وحتى خواطره، هذه التقوى تعين المرء وهي خير زاد له في الرحلة إلى الدار الآخرة، حيث أن المتزود بها سيصل إلى وجهته وعناية الله تكلؤه، والتوفيق رفيقه، ويخالج نفسه المنزلة العظيمة التي سيحظى بها .إن المتزودين للدار الآخرة على ثلاثة أحوالوهم :أولاًـ المسارعون إلى الخيرات، قال تعالى:(أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، وثانياً: المقتصدون، وهم المكتفون بما عليه يحصلون، وثالثاً: المفرّطون، وهم الذين زهدوا في الخير، وبخلوا على أنفسهم ولم يتزودوا منه .ولنبدأ في رحلة المتزودين إلى الدار الآخرة، ومما يتزودون به الآتي :الزاد الأول الصلاة؛ ففي شهر رمضان مثلًا يجتهد المسلمون في الصلوات (إشراق، ضحى، قبل الظهر وبعدها، قبل العصر، قبل المغرب وبعدها، التراويح، التهجد) فإذا انقضى رمضان تغيّرت أحوال المصلين؛ فالمسارعين إلى الخيرات واصلوا الجهد المبارك واستمروا عليه، أما المقتصدون رجعوا إلى صلوات الفرض والسنن الرواتب، وأما المفرطون تركوا الصلاة بالكلية أو بعضها، فهم لا يصلون إلا في رمضان، وهؤلاء في خطر عظيم؛ فالصلاة أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، وكل ذلك يدفعنا إلى الإشفاق على غير المصلين وتعهدهم بالنصح والإرشاد، عسى الله أن يصلحهم من خلالنا، وخير ما يعين على ذلك تعاهدهم بالزيارة، والاقتراب منهم، وتذكيرهم بعظم الأمر، والحرص على إشراكهم في الأعمال الجماعية، ليشعروا بأهمية الاتحاد وضرورته، أما الزاد الثاني فهو الصيام ففي شهر رمضان أيضًا نتقرب إلى الله بأفضل القربات، فما عبد بالصيام غير الله، والله وعد الصائمين بوافر الجزاء الخاص من عنده ، فهل بعد رمضان ينتهى الصيام؟ .إن الناظر في الصيام يدرك أنه مهذب للنفوس، ملين للطباع، ضابط للخلق، مكسب للأجر، محصّن للفرج (فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، رافع للدرجة فهو خير عبادة يتقرب بها إلى الله، قال تعالى في حديث قدسي:(كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وقد خصص الله لهم بابًا خاصًا في الجنة هو باب الريان. خالد بن خميس المويتي كاتب عماني