كلُّنا يعي ما هو الفواق (الحازوقة)، ولعلَّه يبدو لنا بأنَّه غير ضارٍّ، ولكنَّه ـ بلا شك ـ يظلُّ غامضًا وغير مدروس التفاصيل بشكلٍ دقيق. ولِمَ لا؟ وأنت تسمع بأنَّ زميلًا متقاعدًا يستعدُّ للعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي لسرطان الرئة في المرحلة الثالثة، حيث إنَّه لَمْ يتوقع نوبات الفواق التي بدأت في منتصف جولته العلاجيَّة الأولى، وهو يقول: لا شيء يقارن بما نعدُّه الفواق الطبيعي على الإطلاق! لقد استمرَّ لمدَّة عام تقريبًا.حقيقة الفواق هو واحد من أكثر التجارب الجسدية شيوعًا لدى البشر. فعندما نشعر بالفواق يتقلص الحجاب الحاجز بشكلٍ لا إرادي وتغلق الحبال الصوتية، فتنتج تلك التشنجات ـ التي نختبرها جميعًا ـ في غضون بضع دقائق. بالمقارنة مع التهديد الوجودي للسرطان والواقع الوحشي لمعالجته، فإنَّ الفواق غير ضارٍّ ومبتذل وغير جادٍّ. مع ذلك فمرضى السرطان يتعاملون مع نوبات الفواق أثناء مرضهم، لتستمر بعض الأحيان تلك التعويذات الحازوقية ـ إن استطعت أن أسمِّيها هكذا! ـ لأكثر من ٤٨ ساعة. فما بالك بالفواق المزمن، والذي يقطع تقريبًا كلَّ جانب من جوانب الحياة. فيعطل التركيز والمحادثات. حتى أنَّه يهزُّ الشخص مستيقظًا، ويتعدَّاه إلى أن يشعر الفرد بالاختناق أثناء أكله وشربه. وأحيانًا كثيرة، تستمرُّ آلام الصدر لفترة طويلة بعد أن تنحسر نوبة الفواق.وبالتالي فالفواق ما زال لغزًا. حتى أعراضه العابرة، التي تظهر وتختفي بشكلٍ عشوائي، يكاد يكون من المستحيل دراسة الفواق بصرامة. وحتى الآن، ومن خلال الأبحاث ـ التي تابعتها.. وآمل أنِّي لم أغفل أغلبها ـ فهناك عدد قليل فقط من التجارب ذات الشواهد التي درست العلاجات الدوائية للفواق!ولكن ما ندركه طبيًّا أنَّ الفواق قد يكون نتيجة لعدَّة أسباب منها: التغيُّر المفاجئ في درجة الحرارة، وشرب الكحول، وتناول الأطعمة الغنية بالتوابل، والتوتر. وكذلك الأمْرُ بالنسبة لانخفاض الصوديوم مثلًا. كما أنَّ هنالك أدوية تؤدي للفواق منها ـ كما ذكرنا آنفًا ـ العلاج الكيميائي، والمواد الأفيونية وبعض المضادَّات الحيوية والتخدير ومضادَّات الغثيان وأدوية ضغط الدم. وبكُلِّ تأكيد، هنالك الحالات الطبية المصاحبة للفواق، منها ـ على سبيل المثال: السكتة الدماغية، والتهاب السحايا، والالتهاب الرئوي، والربو، وأمراض الكبد، والسرطان. وهنا بغضِّ النظر عمَّا إذا كان السرطان نفسه هو المسؤول أو ما إذا كان من الآثار الجانبية للعلاج، فإنَّ الفواق يضيف مرحلة أخرى من البؤس إلى تلك التجربة!بطبيعة الحال، وأحيانًا نتيجة لسرعة زيارات الأطباء ـ للمريض الواحد في العيادة ـ بالنسبة للمرضى المصابين بالسرطان فقد يقع الفواق ببساطة في مرتبة منخفضة جدًّا في قائمة الاهتمامات التي يجب ذكرها. ولكن هنا حقيقة، أجزم بأنَّ المريض قد يرغب في أن يكون مريضًا جيدًا!... ولا يشتكي؟! وقد يكمن الخطأ هنا، خصوصًا وأنَّ المريض ربما يخشى أن يقوم أطباؤهم بتعديل مسار العلاج إذا تحدثوا عن أيِّ آثار جانبية سلبية. متناسيًا المريض أنَّ الطبيب قد يحاول وصف علاج لتشنج العضلات ـ على سبيل المثال ـ فيساعده ويخفف العرض!ختامًا، أحيانًا وفي حالة عدم وجود حلول مثبتة طبيًّا وسريريًّا، فإنَّ معظم الذين يعانون من الفواق يتمُّ توجيههم نحو العلاجات المنزلية كحبس النَّفَس أو ابتلاع ملاعق من الخل. والصحيح أنَّه لم يتم اختبار أيٍّ منها لمعرفة مدى فعاليتها. وبشكلٍ ما وبدون بدائل قويَّة، فإنَّهم يستحقون المحاولة. بعد كلِّ شيء، على عكس ـ الحازوقة ـ نفسها، فهي غير ضارَّة! د. يوسف بن علي الملَّاطبيب ـ مبتكر وكاتب طبي[email protected]