لقد بدأ الله سبحانه وتعالى خلق ما في الأرض، كما وصفه حديث أبي هريرة قال:(أَخَذَ رسولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِيَدي، فقال: خَلَقَ الله التُّرْبَةَ يومَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فيها الْجِبَالَ يومَ الأحدِ، وخَلَقَ الشَّجَرَ يومَ الإثنين، وَخَلَقَ المَكْرُوهَ يومَ الثُّلاثاء، وخلق النُّورَ يومَ الأربِعَاء، وبثَّ فيها الدَّوابَّ يومَ الخميس، وخلق آدم بعدَ العصرِ يومَ الجُمعَةِ في آخرِ الخلق، وآخِرِ ساعةٍ من النَّهَارِ، فيما بين العصر إلى اللَّيلِ)(أخرجه مسلم).
وكان خلق الملائكة سابقًا على خلق ذلك لحديث أنس مرفوعًا(لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَعَادَ بِهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ فَعَجِبَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ شِدَّةِ الْجِبَالِ)، لذلك نجزم أن خلق الله الملائكة كان قبل الإنسان، لأن خلقه كان بعد خلق الأرض، ولقوله تعالى:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة ـ 30)، فالخليفة هو آدم، وإنما عرفت الملائكة طبيعة الإنسان بتنظيرها لطبيعة الجان، مما يعني أنهم أسبق منهم في الوجود أيضاً فيما يبدو، وقيل: خُلِقوا دفعة واحدة، ويموتون كذلك بعد فناء الخلق، وقيل بل متفاوتين ورجحه نور الدين السالمي لدلالة الأحاديث عليه، والأوْلى التوقف في فنائهم، وأول الملائكة خلقًا(حملة العرش) ثم من دونهم ثم أهل السماء السابعة ثم السادسة وهكذا على الترتيب والملائكة يزدادون إلى يوم القيامة ولا يموتون إلا يومها.
أما من ماذا خلقوا، فإنّ الملائكة خلقوا من نور، كما جاء ذلك عَنْ عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلّم) قَالَ:(خُلِقَتِ الْملَائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ”)(رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْإِمَامُ أَحَمَدُ)، وهذا النور ليس ذات الله سبحانه وتعالى، فإن ذاته سبحانه لا تتجزأ، ومن الثابت علميًا أن النور أو الضوء له طبيعتان طبيعة جسيمية وطبيعة موجية، وليس هذا مجال بحثنا، لكن نعرف أن النور شيء لطيف جدًّا، لم يتوصل البشر إلى تحديد كنهه بدقة حتى الآن، وإنما رأوا آثاره فحكموا عليه بذلك، وكما إن البشر تحولوا من أصلهم إلى شيء جديد بفعل الله لهم، فإن الملائكة استحالوا أيضاً من أصلهم إلى شيء جديد أراده الله لهم، والضوء أو النور ذا سرعة عجيبة تصل إلى ما يقرب من300 ألف كم/ساعة، وسرعة الملائكة أكبر من ذلك، أما الفرق بين الضوء والنور فإن الضوء يصاحب حرارة خلاف النور.

علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني