أثار انتخاب الحزب القومي الاسكوتلندي السياسي المسلم من أصل باكستاني حمزة يوسف لزعامة الحزب جدلًا واسعًا في بريطانيا وما وراءها. سيخلف يوسف الوزيرة الأولى نيكولا ستيرجون التي لم تكن دومًا على وفاق مع الحكومة المركزية في لندن وسعت لإجراء استفتاء ثانٍ على انفصال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة. اسكوتلندا هي أحد الأقاليم الأربعة التي تُشكِّل بريطانيا العظمى، إلى جانب إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية. وإذا كان سياسيون من أصول آسيوية ومسلمون صعدوا إلى صفوف السياسة الأولى في الحكومة المركزية في لندن، إلا أن اختيار حزب المحافظين الحاكم لشخصية من أصول هندية لزعامة الحزب ورئاسة الحكومة المركزية، ريشي سوناك، العام الماضي ضاعف من النقاش داخل بريطانيا وخارجها حول صعود أجيال المهاجرين الآسيويين لقيادة البلاد والأقاليم.
وإذا كان حزب المحافظين اختار ريشي سوناك، حتى من دون انتخابات بين أعضاء الحزب، ليخلف ثلاثة من الزعماء ورؤساء الحكومة الإنجليز هم تيريزا ماي وبوريس جونسون وليز تراس، فإن حمزة يوسف أيضًا يخلف قائدة لإقليم اسكوتلندا من الاسكوتلنديين البيض. لكن ريشي سوناك تم اختياره في ظل أزمات سياسية متتالية وأزمة اقتصادية حادَّة، على أساس أنه كان وزيرًا للخزانة في حكومة بوريس جونسون، وقبل ذلك كان في أحد أكبر البنوك الاستثمارية الأميركية. وبالتالي فهم ببساطة أن قيادات حزب الحاكم من الإنجليز ربما جاءوا بما يمكن وصفه «محاسب هندي شاطر» ليضبط لهم الدفاتر حتى لو كان الثمن أن يجعلوه زعيمًا لهم ورئيسًا لحكومة المملكة المتحدة. وفي وقت ما كان ريشي سوناك زعيمًا لحزب المحافظين ورئيسًا للحكومة ورئيس الحزب هو ناظم زهاوي، الكردي العراقي. أما حمزة يوسف فكان وزيرًا للصحة في حكومة إقليم اسكوتلندا برئاسة نيكولا ستيرجون، واختير في انتخابات بين أعضاء حزب الأغلبية، نافسه فيها امرأتان اسكوتلنديتان تشبهان ستيرجون. وبالتالي يمكن القول إنه ربما لمهاراته السياسية وقدرته على التواصل مع القواعد الانتخابية للحزب القومي الاسكوتلندي وغيرهم.
يأمل الاسكوتلنديون، الذين صوتت أغلبيتهم ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء بريكست عام 2016، أن يقود حمزة يوسف الإقليم باتجاه الاستقلال عن بريطانيا وربما العودة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبالطبع يقلق ذلك أكثر التيار «الوحدوي» في اسكوتلندا اللصيق بإنجلترا وبالاتحاد البريطاني عامة. ليس ذلك فحسب، بل إن إمكانية أن يجري الاسكوتلنديون استفتاء جديدًا على الاستقلال تثير موجات قوية في أيرلندا الشمالية، المنقسمة بين دعاة استقلال ودعاة وحدوا دخلوا في حرب أهلية طويلة قبل تسوية سياسية منذ عقود. كان الاسكوتلنديون صوتوا بالتساوي تقريبًا، مع فارق ضئيل لصالح البقاء في الاتحاد، في استفتاء على الاستقلال في 2014. وعودة القوة للتيار الاستقلالي قد تشجع الانفصاليين في أيرلندا الشمالية للسَّعي نحو الاستقلال، خصوصًا وأن أيرلندا الشمالية جغرافيًّا أقرب لجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي فكلتاهما على الجزيرة الأيرلندية ويفصلهما عن بريطانيا البحر.
من يتابع المقالات في الصحف البريطانية والتعليقات في وسائل الإعلام عامة يلحظ القلق الدفين من انتخاب حمزة يوسف ليقود إقليم اسكوتلندا، وإن غلف البعض ـ خصوصًا السياسيين ـ ذلك بكليشيهات الصوابية السياسية. فالحزبان الرئيسيان في بريطانيا، المحافظون الحاكم والعمال المعارض، يخشون من تصاعد هيمنة الأجيال الجديدة من المهاجرين الآسيويين وغيرهم على السياسة في البلاد وتراجع دور السكان الأصليين للجزر البريطانية. صحيح أنهم لا يهتفون بعد بعنصرية واضحة تحذيرًا «الآسيويون قادمون»، لكن القلق واضح. صحيح أن الحزبين الرئيسيين، وغيرهما من الأحزاب، تضم صفوفها الأولى أشخاصًا من أصول مهاجرة لكن ما تُسمَّى «المؤسسة» (أو الدولة العميقة في تعبير آخر) تظل «نقية» نسبيًّا وقاصرة على الإنجليز وغيرهم من سكان الجزر الأقدم. بالطبع يأخذ القلق شكل التعبير العلني عن المخاوف من تراجع الوحدويين في الأقاليم واحتمال تفكك الاتحاد البريطاني. أيضًا يبدو القلق الأشد على المجموعات المناوئة لأوروبا، سواء في حزب المحافظين أو العمال، فهؤلاء أقرب لليمين المتطرف ولا يخفون توجُّهاتهم الشعبوية والمغالية في التشدد تجاه المهاجرين عمومًا والملوَّنين منهم بشكلٍ خاص. حافظت القوانين وصرامة النظام على إبقاء آفة العنصرية مخفية في المجتمعات الأوروبية والغربية عامة، لكن صعود موجات اليمين المتطرف من نازيين جدد وقوميين متعصبين وغيرهم في السنوات الأخيرة جعلت تلك الآفة تبدأ في البروز علنًا. كما أن تعديلات القوانين بشكلٍ انتقائي لأغراض سياسية والتساهل في تطبيقها لاعتبارات فساد أو غيره ساعد في تفشِّي تلك النعرات. في الوقت نفسه، تثبت الأجيال الثانية والثالثة من المهاجرين، والآسيويين منهم بخاصة، التي اندمجت في المجتمعات الغربية أنها أقدر على الصعود إلى الصفوف الأولى وقيادة التجمُّعات والدول. ومن شأن ذلك التوجُّه، في حال استمراره، أن يؤدي إلى نتائج عكسية تتمثل في زيادة موجات التطرف وربما العنصرية لدى القوى اليمينية واليسارية على السواء. خصوصًا وأن التمايز التقليدي القديم بين اليمين واليسار تمَّ «تمييعه» تمامًا، وتحديدًا منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقتها تداعت تيارات الطيف السياسي نحو «الوسط»، من يمين الوسط إلى يسار الوسط. وترك ذلك الهامش ينمو من يمين متطرف ويسار فوضوي. فإذا كان الآسيويون قادمين، فهل يمكنهم الحدُّ من ذلك التشظِّي السياسي أم ستزيد موجات التطرف يمينًا ويسارًا؟ لننتظر ونرى.



د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
[email protected]