نتعرض جميعا لأوقات عصيبة في مراحل حياتنا المختلفة طالما قطار العمر مازال يواصل مسيره ولم يتوقف، وتستمر معه المشاهدة اليومية لكل مناحي الحياة، سواء كانت إخفاقات أو نجاحات، فنغوص فيها ونخرج من خلالها بتجارب ربما تساعد الآخرين لحاقا بمسيرتنا الحياتية، وبطبيعة الحال دائما ما تأتي الإخفاقات لأسباب، بعضها معلوم والبعض الاخر مجهول، وفي أزماتنا الحياتية والاقتصادية التي تمر بها العديد من بلدان المنطقة يجب أن نحك الذاكرة ونشفط الايام، لنستفيد من تجاربنا ونضع النقاط فوق الحروف من أجل محاولة جدية لمعرفة الداء من أجل ايجاد الدواء.
من اهم اخفاقاتنا تأثيرا هي ازماتنا الاخلاقية الناتجة عن ازماتنا الحياتية، وسببها الرئيس تخلفنا في العملية التعليمية التي يجب ان تشمل خمسة عناصر اساسية هي «التعليم، الاخلاق، القيم، الدين» مع توضيح أنه كلما تأخرنا في إرساء نظام تعليمي جاد مشابه لتلك المرحلة التي مرت على بعض الدول في العصور الوسطى فاثمرت عن بزوغ عصر النهضة في الغرب، مما يؤكد اننا كلما تأخر بنا الوقت للحاق بتأسيس نظام تعليمي جيد يهتم بالبحث العلمي وبالمتميزين فيه وبالفهم والحجج والبراهين، بدلا من التلقين والحفظ، ووضع قواعد منبثقة ومستمدة من تعاليم الدين، حتى لانستمر في متاهة التنمر والانزواء وطلب العون من الاخرين، ومواصلة استحلال الحرام، وتبرير الوصول إلى المال حتى لو بطرق غير مشروعة، والتجارة بالمبادئ والاخلاق وتوظيف البعض للدين لتحقيق مآرب مشبوهة.
إن تخلفنا عن التعليم قد يجعلنا نتخلف عن ركب الشعوب المتحضرة وحسب، بل سيجعل الأجيال القادمة تدفع أثمانا باهظة لحماية أنفسها من هجمات الشرق والغرب التي لا تتوقف من أجل نهب ثرواتها، والقضاء علي مقدراتها وتحويلها لأمم تابعة وفاقدة القدرة والإرادة، أما في الحالة المعاكسة والتي يمكن أن نسرع فيها بالبدء في الاصلاح سوف نحصد إبداعات علمية تنضج بمرور الوقت، وتساهم في تهيئة المجتمع لتقبل الأفكار الجديدة، وتطويرها من خلال المؤسسات التعليمية التي يمكنها ان تفرز نظريات ومعلومات، وتصقل الإمكانات الفردية فتولد الرغبة لدى عنصري العملية التعليمة الاستاذ والطالب في تغيير البنية الفكرية للمجتمع، كما حدث في عصر النهضة الاوروبية التي استفادت من الاتصال الثقافي مع العالم الإسلامي والحضارة الإسلامية السائدة في ذلك الوقت، مما ساعد في إحداث ثورة معرفية وثقافية لديهم، نقلتهم من أطوار الجهل والتخلف إلى آفاق العلم والتقدم.
شاهد الاحداث التاريخية يثبت إن تلاقح الأفكار من ذوى الخبرة المثقلة بالتعليم يمكنها ان توقظ الشعوب من سباتها خاصة ان واقعنا اليوم رغم اننا نملك من الإمكانيات ما يؤهلنا لبلوغ قمة النهضة شريطة توافر الإرادة الحقيقية لإنجاح العملية التعليمية وتوفير المناخ المناسب لها المتمثل في توافر الإمكانات والفرص والبيئات المناسبة للتطور العلمي والانطلاق لآفاق المستقبل الواعدة، من أجل وضع لبنات الأساس لتطور وتقدم الأجيال القادمة، خاصة وأن العالم الآن لا يعرف سوى لغة العلم والمعرفة، تلك اللغة التي باتت لا تقدر بثمن، بل وتجني المجتمعات والدول الغربية من ورائها ثروات طائلة لا يمكن تقديرها، شريطة إعداد طالب جاد ومجتهد ومبدع، ومدرس على علم وإدراك بتطور العلوم والمعرفة، ونظام تعليمي قائم على الجدل والنقاش، بدلا من نظم التلقين التي أظلمت العقول وأهدرت المواهب.
إن الحرص على تطوير العلم والمعرفة حتى يصبح لدى الأجيال المستقبلية رصيد زاخر يمكنها من الاعتماد على نفسها بدلا من الاعتماد على الآخرين، لتوفير غذائها ودوائها وسلاحها، واتخاذ قرارها حسب رؤية نابعة من مصالحها الذاتية بعيدا عن ضغوط الغرب الذي لا يهمه إلا تحقيق مصالحه وفقط.


جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»