أهدف من خلال هذا المقال المختصر إلى إعادة صياغة بعض الملاحظات التي كتبتها خلال الفترة بين شهر 2/2022 عبر المقالات التخصصية والمنشورة بهذه الصحيفة الغرَّاء (الوطن) بسلطنة عُمان، وهو تاريخ بداية الأزمة أو الصراع بين روسيا وأوكرانيا ومارس 2023، بمعنى آخر أن الصراع قد أكمل عامًا على اندلاعه.
بتاريخ 6 فبراير 2022 كتبت مقالًا بعنوان: الأزمة الجيوسياسية الروسية الأوكرانية (خلافات سيادية وليست سياسية) أكدت فيها على أن تجدُّد الصراع المباشر وغير المباشر بين روسيا وأوكرانيا خلال الفترة من 2003 حتى العام 2023 رغم وجود اتفاقيات مبرمة لتهدئتها ومحاولة حلحلتها مثل اتفاقية مينسك الأولى والثانية الموقعتين في برلين في العام 2015 يؤكد عمق الأزمة وتداعياتها من كونها أزمة بين دولتين.
الأمر الذي يُعزِّز من فكرة احتمال استمرار الصراع وتجاوز العام 2023 إلَّا في حال توقفت الدول الغربية عن دعم أوكرانيا وتنازلت أوكرانيا لروسيا عن بعض مطالبها، أو استسلمت روسيا وهذا أمر مستبعد جدًّا.
بتاريخ 6 مارس 2022 كتبت مقالًا بعنوان: الصراع الروسي الأوكراني. قراءة في الأوراق الرابحة والخاسرة يمكن اختصار أبرز الملاحظات الاستراتيجية حينها على النحو الآتي:
الأحداث في أوكرانيا مثَّلت حينها فرصة واضحة لإظهار بعض القوى الدولية مثل دول الاتحاد الأوروبي وأميركا بمظهر الوحدة والتعاون في مواجهة التهديدات الروسية تجاه أوروبا، فهل تم لها النجاح بعد عام من الصراع؟ روسيا هي الأخرى تنظر إلى تلك الأطراف الدولية كتهديد مباشر وصريح لأمنها القومي، وهو ما يستدعي ردود فعل أكثر جِدِّية من وجهة النظر الروسية. بالتالي فجميع أطراف النزاع في الأزمة الأوكرانية الروسية الراهنة أصبحت لهم قناعات مختلفة ووجهات نظر غير تلك التي كانت قبل هذه الأزمة الأخيرة تجاه العديد من الأحداث والصراعات في القارة الأوروبية، فهل سيغير ذلك خريطة الصراعات الدولية خلال هذا القرن؟
تطرقت حينها كذلك إلى الآثار والتبعات في الفكر السياسي والعسكري الحديث، خصوصًا في حال نجاح القوات الروسية في أوكرانيا وتثبيت حكومة موالية لروسيا، القصد: أن هناك دولًا تشاهد وتنتظر ردود الفعل الدولية تجاه هذه الحرب أو الأزمة مثل الصين على سبيل المثال لا الحصر، وذلك من حيث إن الصين تواجه قضية مماثلة وهي تايوان، ونجاح روسيا في أوكرانيا وردود الفعل الغربية والولايات المتحدة الأميركية تجاه الأزمة الأوكرانية سيكون لها ما بعدها تجاه قضية تايوان بتصوُّري على المدى الطويل على أقل تقدير.
بتاريخ 22 مايو 2022 كتبت مقالًا بعنوان: دروس من الحرب الروسية الأوكرانية، يمكن اختصار أبرز الملاحظات الاستراتيجية التي تطرق لها على النحو الآتي:
الأزمة الروسية الأوكرانية أكدت من جديد على صعوبة التدخل المباشر للقوى الكبرى لحماية أو رعاية شركاء أو حلفاء لها في أي مكان من العالم إذا لم يكن أولئك الحلفاء أو الشركاء يُشكِّلون بالنسبة لها أي ورقة رابحة أو يُمثِّلون ما يمكن أن يدفع تلك القوى الكبرى لتعريض شعبها أو تعرُّضها لأي نوع من المخاطر الأمنية أو خسائر مصالح الجيوسياسية حتى وإن كان ذلك يمكن أن يعرِّض نفوذها المعنوي للإساءة أو يقلل من احترام العالم لها أو حتى يمكن أن يؤثر على سمعتها التاريخية.
كما أنها أعادت إلى الأذهان مسألة أهمية الأسلحة النووية، أو الأسلحة المحرَّمة، خصوصًا أن أوكرانيا تخلَّت عن ذلك النوع من الأسلحة لصالح روسيا مقابل ضمانات أمنية وقانونية لم تتحقق أو تصدق، بل يرى البعض أن تلك الاتفاقيات وذلك التخلِّي عن الأسلحة هو أحد أهم الأسباب الذي عرَّض الأمن والسيادة الأوكرانية للانتهاك، وهو جانب سيُعزِّز مواقف الدول السَّاعية للحصول على الأسلحة النووية في مختلف أرجاء العالم.
كذلك فالأزمة الروسية الأوكرانية فتحت الباب على مصراعيه لأفكار التوسع الاستعماري للقوى الكبرى في بعض مناطق النفوذ العالمي أو حتى تشجعها على احتلال دول ذات سيادة أو ربما تتخذ من شماعة حماية الأمن القومي أو النفوذ التاريخي أو استعادة بعض مناطق النفوذ المتمرد أو المستقل لأسباب تاريخية أو غير ذلك سببًا لقيام بعض القوى الكبرى لإعادة النظر في قضايا مشابهة.
بتاريخ 17 يوليو 2022 أي قَبل ثمانية أشهر من الآن كتبت مقالًا بعنوان: قراءة استراتيجية لسيناريوهات نهاية الحرب الروسية الأوكرانية (من الحل الدبلوماسي إلى مستنقع الجوع والصقيع) أشرت فيه حينها إلى الملاحظات الاستراتيجية الآتية:
تطرقت في المقال إلى 3 سيناريوهات محتملة لنهاية الأزمة الروسية الأوكرانية، السيناريو الأول: (تفاؤلي) والسيناريو الثاني (تشاؤمي) والسيناريو الثالث (كارثي)، وأشرت في السيناريو الأخير إلى الملاحظة الآتية: ليس في مخيلتي حتى الآن أيُّ تصوُّر لسيناريو كارثي مقبول في حال لم تنتهِ الأزمة الأوكرانية الروسية قبل نهاية شهر فبراير 2023م. ولكن كل ما أستطيع قوله في هذه الحالة بأن استمرار الأزمة إلى ما بعد شهر فبراير 2023 ليس من صالح الروس، كما أن أقرب الأمثلة على محفزات أي سيناريو كارثي هو دخول الأزمة إلى مرحلة الانفلات والفوضى.
مثال ذلك تطوُّر الأزمة باتجاه حصول كييف على أسلحة مضادَّة للسفن الروسية أو صواريخ طويلة المدى أو استخدام أسلحة بيولوجية أو عمليات إرهابية داخل الأراضي الروسية، وفي أسوأ الأحوال انغماس الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو في الحرب بشكل أكبر عن طريق الخطأ أو الاستفزاز، أو هبوط صاروخ في أراضي الناتو، أو إصابة طائرة تابعة للحلف من قبل الروس، مما قد يؤدي إلى توسُّع المواجهة.
خلاصة الورقة حينها أن روسيا لا بُدَّ أن تنهي الصراع لصالحها قَبل شهر مارس 2023 أي في هذا الشهر، وإلَّا فإنها ستبدأ بخسارة العديد من أوراقها الرابحة مثل ورقة الشتاء في أوروبا وأميركا وتداعياتها فيما يتعلق بالوقود وخلاف ذلك، أضف إلى ذلك جاء في نهاية المقال الخلاصة الآتية «إذا أرادت أوكرانيا وأميركا وأوروبا وحتى روسيا أن تخرج بأقل الخسائر أو تتجنب الدخول إلى معركة الشتاء الخاسرة فإنَّها يجب أن تنهي الأزمة قبل بداية شهر أكتوبر 2022 عبر سيناريو تفاؤلي؛ وإلا فإن الكفة ستميل إلى صالح روسيا خلال الشهور التالية حتى نهاية شهر فبراير 2023م وهو ما يغلب السيناريو التشاؤمي، ثم سيعود الصراع بين تلك الأطراف خلال الشهور التالية لشهر فبراير 2023 إلى مرحلة ضبابية للغاية مما يمكن ان يدخل العالم إلى سيناريو كارثي.
إذًا منذ الآن؛ أي شهر مارس 2023 ستدخل الأزمة الروسية الأوكرانية في فترة أطلقت عليها بالفترة الضبابية، والسَّبب وراء ذلك هو أن جميع أطراف الصراع المباشر وغير المباشر دخلت في مرحلة الإنهاك الشديد، ومؤكد أن ذلك سيؤدي إلى صعوبة في التركيز واستعجال في اتخاذ القرارات، وستبرز بعض الجرأة في اتخاذ خطوات تكتيكية خطيرة للتغيير أو للتأثير في مجرى الصراع فيما يطلق عليه بجر الصراع إلى حافة الهاوية. توصية للداخل الوطني: ضرورة دراسة تداعيات ومآلات الأزمة الروسية الأوكرانية على المستوى الدولي والإقليمي، منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وعلى المستوى الوطني، دراسة التداعيات الاستراتيجية في الجانب السياسي والاقتصادي والأمني. فقد أفرزت الفترة بين شهر مارس 2022 وشهر مارس 2023 الكثير من الأمثلة على تلك التداعيات والتهديدات الخطيرة للغاية، والأخطر مما فات هو التداعيات المستقبلية الضبابية التالية، والتي ستحتاج إلى عُمق في التحليل الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والأمني.


محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @