بمناسبة الدورة السابعة والعشرين لمعرض مسقط الدولي للكتاب، هناك أسئلة تطرح عن مدى إدراك الأجيال الحديثة لأهمية القراءة، وعن تراجع أو زيادة الإقبال على اقتناء الكتب، في ظل الانشغال بالهاتف النقال و»السوشيال ميديا»، الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج إجراء استبانات وتحليل بيانات عقب انتهاء المعرض، ولكن الذي لا شك فيه أن هناك أزمة وعي مجتمعي، زادت حدتها مع ظهور الإنترنت، وأهم مظاهرها ترويج الإشاعات، وغياب العقل الناقد القادر على الفرز بين الغث والسمين، والضار والنافع، والحقائق والأكاذيب.
والقراءة من أهم الأدوات التي تنير العقل، وعن طريقها يحافظ الإنسان على لياقته الذهنية، فالعلم والمعرفة فعل تراكمي تقوم القراءة بتصحيحه وتحديثه باستمرار، لذلك الإنسان الذي لا يقرأ عرضة لإصابة مداركه بالضعف والترهل دون أن يشعر.
فالقراءة تجعل الإنسان محصنا فكريا، عصيا على الانقياد أو التقليد الأعمى، وعن طريقها نستطيع الاطلاع على تجارب الآخرين واكتساب خبرات حياتية لم نعشها، واكتساب مهارات المقارنة والتحليل المنطقي للأحداث والاستفادة من دروس التاريخ، فالقراءة هي الجسر الذي يفصل بين الوعي والجهل، والسذاجة والفهم، والتحضر والعشوائية، بين النهوض والتخلف.
كما أن القراءة علاج للتطرف والتشدد والتعصب الفكري، فالقارئ تتجمع لديه الكثير من الحلول والأطروحات والمقاربات والرؤى المختلفة، التي تساعده على التوازن في الطرح، بعيدا عن التقوقع والانعزال والنمطية والانغراس في أفكار جامدة غير قابلة للنقاش أو التغيير، كما أنها تمنح الإنسان القدرة على التسامح والتعايش وقبول الآخر، وتساعد الإنسان على تجديد أفكاره وتطويرها ولا مانع من تغييرها، فالأفكار والقناعات يمكن أن تتغير بتغير الزمن والظروف المحيطة، فليس هناك أفكار مقدسة، باستثناء نصوص القرآن الكريم والصحيح من السنة المطهرة، ما عدا ذلك، لا حدود لاجتهاد الإنسان ولا حجر على التفكير.
وهناك أبحاث علمية أثبتت تأثير القراءة، خصوصا القصص والروايات التي تلهم الخيال على الدماغ، وذلك بزيادة نشاط الأجزاء المسؤولة عن اللغة وفك تشفير الرموز المجردة، وزيادة قدرة الدماغ على القيام بوظائف جديدة، بما في ذلك العمليات البصرية والسمعية، والوعي الصوتي، والطلاقة في الكلام وقوة الملاحظة، نتيجة اكتساب مفردات جديدة والبحث عن كلمات جديدة ومحاولة اكتشاف معانيها ودلالاتها، الأمر الذي يزيد الحصيلة اللغوية ويرسخ المفاهيم في الذهن، ويعطي القارئ الثقة ومهارة استخدام هذه الثروة اللغوية في حال استدعائها واستخدامها في حديثه، والعكس صحيح عدم القراءة وغياب الاطلاع يمكن أن يصيب الإنسان بالتلعثم والتأتأة الأمر الذي ينعكس على ثقته بنفسه ويؤدي لانطوائه وانعزاله الاجتماعي.
وتتجلى أهمية القراءة مع التقدم في العمر، فهي تقاوم شيخوخة الدماغ، عن طريق تنشيط وتحسين الذاكرة، فالقراءة عكس مشاهدة التليفزيون تمنح الدماغ فرصة للتصور والتخيل، والتذكر، والتفكير في المادة المقروءة ومعالجتها وتصورها، الأمر الذي يعزز التركيز ويحافظ على الذاكرة من الاندثار، وربما تكون القراءة أحد وسائل الوقاية من مرض الزهايمر الذي يصيب كبار السن.
وتعويد الطفل على القراءة منذ حداثة سنه، له فوائد عظيمة في تنمية مهاراته العقلية وزيادة ذكائه الفطري، خصوصا خلال سنواته الأولى، ولعل البداية تكون عن طريق الكتب المصورة والملونة والتي يتعرف الطفل عن طريقها على مكوِّنات الطبيعة ـ الحيوانات والأشجار والأدوات المستخدمة ـ، فالطفل عكس ما يتخيل الكبار، يتمتع بذاكرة قوية وقدرة على الحفظ تفوق الكبار، ولعل هذا يفسر قدرة كثير من أعلام الفقه واللغة والثقافة والأدب قديما، على حفظ القرآن كاملا وهم بسن صغيرة، ومعظمنا يستخدم حصيلة حفظه من سور القرآن الكريم التي حفظها في طفولته بسهولة ويسر، بينما نجد صعوبة شديدة في حفظ أجزاء من القرآن في السن الكبيرة.


محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري