ذكرنا في المرة الماضية أن الله تعالى ذكر هذا الشهر الحرام (رجب) في كتابه العزيز وحده وذكره مجملًا مع إخوانه الأشهر الحرم الأربعة، فأما عن ذكره له وحده:
1ـ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِوَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرةـ ٢١٧)، جاء في كثير من الكتب ومنها كتاب تفسير ابن كثير (1/‏ 574)عن ابن مسعود:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ..) وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعث سرية، وكانوا سبعة نفر، كان عليهم عبد الله بن جحش الأسدي أميرا، وفيهم عمار بن ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان السلمي -حليف لبني نوفل-وسهيل بن بيضاء، وعامر بن فهيرة، وواقد بن عبد الله اليربوعي، حليف لعمر بن الخطاب، وكتب (صلى الله عليه وسلم) لابن جحش كتابًا، وأمره ألا يقرأه حتى ينزل بطن ملل فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه: أن سر حتى تنزل بطن نخلة، فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمضِوليوصِ، فإنني موصٍ وماضٍ لأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسار، فتخلف عنه سعد بن أبي وقاص، وعتبة، وأضلا راحلة لهما فأتيا بحران يطلبانها، وسار ابن جحش إلى بطن نخلة، فإذا هو بالحكم بن كيسان، والمغيرة بن عثمان، وعمرو بن الحضرمي، وعبد الله بن المغيرة، وانفلت ابن المغيرة، فأسروا الحكم بن كيسان والمغيرة وقتل عمروـ قتله واقد بن عبد الله ـ فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم)فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما أصابوا المال، أراد أهل مكة أن يفادوا الأسيرين، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم):(حتى ننظر ما فعل صاحبانا)، فلما رجع سعد وصاحبه، فادى بالأسيرين، ففجر عليه المشركون وقالوا: إن محمدًا يزعم أنه يتبع طاعة الله، وهو أول من استحل الشهر الحرام، وقتل صاحبنا في رجب، فقال المسلمون: إنما قتلناه في جمادى- وقيل: في أول رجب، وآخر ليلة من جمادى- وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل شهر رجب، فأنزل الله يعير أهل مكة:(قِتَالٍ فِيهِ) لا يحل، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام، حين كفرتم بالله، وصددتم عنه محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه، حين أخرجوا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) أكبر من القتل عند الله).
2ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة ـ ٢)،يقول الطبري في تفسيره (جامع البيان 9/‏ 465):(قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:(لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ)، أي:لا تستحلوا الشهر الحرام بقتالكم فيه أعداءَكم من المشركين، وعن قتادة قال: كان المشرك يومئذ لا يُصَدُّ عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت،وأما (الشهر الحرام) الذي عناه الله بقوله:(وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ)، فرجب مُضَر، وهو شهر كانت مضر تحرِّم فيه القتال)، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ في (التحرير والتنوير 6/‏ 82):(الْأَظْهَرُ أَنَّهُ أُرِيدَ رَجَبٌ خَاصَّةً لِيَشْتَدَّ أَمْرُ تَحْرِيمِهِ إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ غَيْرُ مُجْمِعَةٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا خُصَّ بِالنَّهْيِ عَنْ إِحْلَالِهِ إِذْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْعَرَبِ يُحَرِّمُونَهُ، فَلِذَلِكَ كَانَ يُعْرَفُ بِرَجَبِ مُضَرَ فَلَمْ تَكُنْ رَبِيعَةُ وَلَا إِيَادٌ وَلَا أَنْمَارٌ يُحَرِّمُونَهُ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: شَهْرُ بَنِي أُمَيَّةَ أَيْضًا، لِأَنَّ قُرَيْشًا حَرَّمُوهُ قَبْلَ جَمِيعِ الْعَرَبِ فَتَبِعَتْهُمْ مُضَرُ كُلُّهَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ)، ويقول الجزائري في (أيسر التفاسير 1/‏ 586):(وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ):(رجب وهو شهر مضر الذي كانت تعظمه العرب)..يتبع.




محمود عدلي الشريف
[email protected]