لا أقصد بتعبير «الإصلاح الزراعي» (الذي شاع أواسط القرن الماضي) ما حدث في بضع دول عربية من تقسيم وقضم اعتباطي وغير منصف للملكيات الزراعية الكبيرة، وإنما أقصد (في سياق هذه المقالة) ضرورات إطلاق وتفعيل «ثورة زراعية» حقيقية عبر أقطار دولنا العربية المعرضة لآفات للتصحر السريع والكثبان (لسوء الطالع)، خصوصًا بعد أن أماط الصراع في أوكرانيا اللثام عن المخاطر التي تحدق بشعوبنا العربية بسبب هشاشة «أمنها الغذائي» الذي بانت عوراته على نحو جليٍّ يهدد حياة سكان بعض دولنا، إن لم تحقق تغيُّرات وإصلاحات جذرية في ميادين الزراعة والإنتاج الحيواني، بل وبالدرجة الكافية التي تكفي شعوبنا شرور وأشباح المجاعات والقحط.
لذا، تشمل فكرتي حول الإصلاح الزراعي، إضافة على التوزيع العادل للملكيات الزراعية، إدخال وسائل الإنتاج الزراعي الواسع، مثل «المكننة» وسواها من أساليب الزراعة الحديثة، ويشمل كذلك تعظيم أشكال وتطوير أساليب السقي على مساحات زراعية كبيرة قادرة على استيعاب وتحمُّل الأعباء السكانية الثقيلة والمتسارعة النمو، ناهيك عن ضرورات تحسين البذور من أجل الاستغناء عن استيراد المواد الغذائية من مناشئ أجنبية تستهلك مواردنا النفطية، وهي مناشئ لم تعد بالدرجة الكافية من الاستقرار السياسي، الذي يؤهلها للبقاء كمصدر للمواد الغذائية الأساس.
وإذا لم يعد إدخال أساليب الزراعة العلمية الحديثة من الضرورات الوجودية في عالمنا العربي فقط، فإن على حكومات دولنا الارتكان إلى حقيقة (لا غبار عليها) ومفادها أن الأمن الغذائي إنما يُمثِّل الجزء الأكبر والأهم من الأمن القومي: فلا أمن قوميًّا بدون أمن غذائي؛ ولا أمن عسكريًّا بدون توفير الغذاء للشعوب، ناهيك عن مخاطر بقاء ثلمة الأمن الغذائي المحرجة والمتنامية في بقاع كالصومال، من بين سواها من البقاع العربية في إفريقيا.
وعليه، أجد من الغريب أن يفضل البعض من أولي الأمر ابتياع الدبابات والمدرعات والأسلحة الفتاكة الحديثة، على توفير احتياجات الزراعة المتطوِّرة التي لا تدفعنا إلى زوايا ندرة وقحط خطيرة بسبب صراعات من نوع الصراع في أوكرانيا، من بين سواها من الارتطامات العسكرية التي تهدد أمننا على نحو غير مباشر. ربما كان هناك من هو مطمئن على تجهيز الغذاء لموائد الأُسر في بلاده الآن، إلا أن عليه أن يتجاوز النظر إلى ما تحت قدميه فقط، باتجاه مباشرة الآفاق الأوسع التي لا يمكن أن تمنحنا الاطمئنان والراحة بدون سلة غذاء كافية في كل واحد من أقطار عالمنا العربي الذي تغزو الكثبان الرملية، مصحرةً مزارعه وحقوله، دون أن تحرك حكوماتها ساكنًا، على أمل حدوث معجزة من نوع ما تمكن المزارع والفلاح من هزيمة التصحر وإرواء الأرض اليباب!
ربما كان هناك من هو مطمئن على تجهيز الغذاء لموائد الأُسر في بلاده الآن، إلا أن عليه أن يتجاوز النظر إلى ما تحت قدميه فقط، باتجاه مباشرة الآفاق الأوسع التي لا يمكن أن تمنحنا الاطمئنان والراحة بدون سلة غذاء كافية في كل واحد من أقطار عالمنا العربي..



علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]