- جمال الموسوي: تسلط المقتنيات المنتقاة الضوء على مفهوم الجمال فـي سلطنة عمان

مسقط ـ «الوطن»:
شارك المتحف الوطني بعدد من المقتنيات الأثرية في معرض (المدار) بينالي الفنون الإسلامية الأول من نوعه على مستوى العالم الذي يقام في صالة الحجاج بمطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، خلال الفترة من الـ23 يناير حتى الـ23 من أبريل 2023م بمشاركة (12) مؤسسة من جميع أنحاء العالم.
رعى حفل الافتتاح أمس الأول، صاحب السُّمو الأمير بدر بن عبدالله آل سعود، وزير الثقافة ورئيس مجلس أمناء مؤسسة بينالي الدرعية، وبمشاركة صاحب السُّمو السَّيد فيصل بن تركي آل سعيد، سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى المملكة العربية السعودية ومندوبها الدائم لدى منظمة التعاون الإسلامي، وسعادة جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني.
وقال سعادة جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني: تُعد هذه أول مشاركة للمتحف الوطني بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث تسلط المقتنيات المنتقاة الضوء على مفهوم الجمال في سلطنة عُمان والذي بقي وفيًّا للأصول الإسلامية ولهُويَّة البلاد على حدٍّ سواء، بحيث يُعلي من قيمة الجمال الأصيل ويحتفي بالنقاء والبساطة والابتعاد عن التكلف.
وأضاف: يتشرف المتحف الوطني بالاحتفاء بفن العالم الإسلامي من خلال المشاركة في معرض (المدار) الذي يقام في أول بينالي لما يعرف بالفن الإسلامي وذلك بالمملكة العربية السعودية، وندعو الزوار الكرام لخوض تجربة مفاهيم الجمال التي أبدعها الحرفيون والخطاطون المهرة في عُمان عبر العصور، والتي تنعكس في الأعمال المختارة بتصاميمها التي تبدو بسيطة للوهلة الأولى، ولكنها تعكس تجربة الوحدة والترابط، وتسلِّط الضوء على أهمية التأمل والاهتمام بأدقِّ التفاصيل.
ويضمُّ ركن المتحف الوطني بالبينالي مجموعة منتقاة من المقتنيات الأثرية التي تجسد ثنائية التناغم والتباين في تجليات الثقافة العُمانية والتي تعكس توازنًا بديعًا بين البساطة والزخرفة.
وتم تقسيم الركن إلى (4) محاور وهي الأبيض والأسود، والجمال في الفراغ، وبين عالمين وقوة البساطة.
يجسد محور الأبيض والأسود فكرة أن النظر إلى العالم على أنه يحتوي على أزواج من العناصر المتقابلة ـ سواء في حالة من الوئام أم الصراع ـ إنما هو جوهر الفلسفة الإسلامية التي نشأت من الثنائية المتأصلة في القرآن الكريم. تَذكُر آيات كثيرة هذه الازدواجية في الطبيعة، كدورة الليل والنهار، والوجود المتوازي للسماء والأرض، بينما تعكس آيات أخرى ازدواجية الخير والشر. وفيما يتعلق بالألوان، فقد ألهمت الآية الكريمة من سورة البقرة: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ...” (الآية ١٨٧) الحِرفيين لاستخدام اللونين الأبيض والأسود في الفن والحِرف اليدوية من أجل إبراز فكرة الازدواجية في العالم المادي وفي مرور الزمن وفي العالم الروحي. في الوقت نفسه، تبقى فكرة الوحدانية حاضرة كدليل على وجود الله الواحد الأحد، ويضمُّ هذا القسم نماذج من الأواني من موقع (حماسة) الأثري في محافظة البريمي باللونين الأبيض والأسود تعود للفترة (9م)، ولوحًا حجريًّا من مسجد الحجرة والذي يعود لعهد أئمة اليعاربة ويبلغ عمره قُرابة الأربعة قرون وشاهد قبر من محافظة ظفار يعود للفترة (1696-1697م).
وفي محور الجمال في الفراغ يتجلَّى جمال الأعمال المعروضة هنا بالفراغ، إذ تم إفراغ المحبرة الخاصة بعلبة الأقلام على صفحات فارغة لخط مخطوطة قرآنية. كما ينعكس ذلك أيضًا من خلال نحت المعدن والحجر لإنشاء أشكال هندسية، حيث كان يُنظر إلى قواعد الخط المتعارف عليها على أنها بأهمية الجوانب الفنية الأخرى كملء أو إنشاء مساحات فارغة، يمكن من خلالها إبراز معلومات فنية أو جوانب جمالية.
وتضم مقتنيات هذا المحور مقلمة تعود للقرن الـ(18م)، وقلادة نُقش عليها آية الكرسي تعود للقرن الـ(19- منتصف20م)، ومخطوط القرآن الكريم يؤرخ (2 ربيع الأول 1295هـ).
أما المحور الثالث بين عالمين فيضمُّ بابًا عليه نقوش مختلفة وآيات قرآنية، حيث إن للأبواب وظيفة رمزية في الثقافة العُمانية تتجاوز كونها بوابات مادية تفصل بين الأماكن العامة والخاصة، إذ يعكس التصميم المُضلَّع الشكل الموجود في العديد من الأبواب العُمانية الإحساس الجوهري بالانتقال الذي تُمثِّله العتبات، وهو ما يرمز إلى المرور بين عالمين. عند الدخول من الباب ينبغي للمسلم أن يتلفظ بالبسملة وأن يجتاز العتبة بالقدم اليمنى. غالبًا ما يقوم العُمانيون بنقش الآية الأولى من سورة الفتح: “إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا” على مقربة من مقابض الأبواب.
ويتناول المحور الرابع (قوة البساطة) بالعودة إلى الأساسيات، وهي أمر جوهري في الفكر العُماني، إذ كان البلاط المزجج من النوع المعروض هنا يُحاكي في الأصل التقاليد الفنية القاشانية المليئة بالزخارف التفصيلية وصور الحياة البرية. لكن في عُمان، تمَّ اعتماد نسخ من البلاط خالية من التفاصيل الإضافية في محاولة للتركيز على الشكل الهندسي النقي.
بالنسبة للميزات المكانية في المنازل التقليدية العُمانية، انصبَّ التركيز على الوظيفة والشكل معًا. وعادة ما يحتوي التصميم على دوائر مخرمة قرب السقف لتكون إضافة معمارية تساعد على تمييز الأوقات، فعندما تشرق أشعة الشمس ينسكب النور عبر الفراغ ليعطي سكان المنزل إحساسًا بالوقت من خلال مراقبتهم لاتجاه الضوء وحركة الظلال الدائرية التي تنعكس على الجدران والأثاث.
وتضمُّ مقتنيات هذا المحور قطعًا من بقايا البلاط المزجج لجامع قلهات الأثري والتي تعود للفترة (14-15م)، وكوّتين مصنوعتين من الجصِّ تعودان لمنتصف القرن الـ20م.
الجدير بالذكر، أنه يشرف على تنظيم البينالي فريق عالمي من المتخصصين في مختلف المجالات الفنية، وذلك تحت عنوان (أول بيت) كبوابة لأقدس مدينتين للمسلمين من جميع أنحاء العالم، مكة المكرمة والمدينة المنورة.