القيادة هذه المفردة اللغوية البسيطة التي تؤدي دورًا جوهريًّا، سواءً كان إيجابيًّا أو سلبيًّا في الحياة الاجتماعية والرسمية، وتبدأ كلمة القيادة وتأثيرها من الأسرة أو العائلة البسيطة وليس كما هو معروف لدينا (المناصب القيادية الحكومية) سواء على مستوى الإدارة أو بقية الأقسام والدوائر كـ(المالية، الاقتصادية، الصحية، العسكرية، القانونية.. وغيرها من تشعبات المجال الحكومي) ونفس الشيء بالقطاع الخاص والمختلط. أصدرت المدرسة الدبلوماسية البريطانية للدبلوماسية بعد الحرب العالمية الثانية بصورة عامة مبدأ (كل إنسان قائد في عمله) لغرض النهوض بلندن والمدن البريطانية التي تعرضت للقصف والدمار إبَّان الحرب العالمية الثانية، فأصبح عامل التنظيف قائدًا في عمله وكذلك المعلم، والسائق.. وغيرها من مختلف المهن لتنهض من جديد بسرعة البرق وتبني البلد بأفضل ما يكون استنادًا إلى هذا المبدأ. مفهوم القيادة: هو القدرة على التأثير في الوسط الذي يعيش فيه القائد ويحقق الأهداف بأقل الخسائر، وبزمنٍ محدد المعالم ويجعل الذين يعملون معه يرغبون في أنجاز أهداف المجموعة، والقيادة يمكن أن تُعرَّف أيضًا بأنها قدرة الشخص على التأثير أو فرض رأي أو قوانين معيَّنة ليس بالقوة وإنما بالإقناع. للقيادة سمات متعددة وصفات كثيرة؛ كما أن للقيادة أنواعًا ومنها: القيادة الحكيمة، القيادة الطائشة، القيادة المتهورة، القيادة البليدة، القيادة العمياء، القيادة الأنانية، وأنا شخصيًّا أضيف القيادة الأبوية الحنونة التي هي أعلى وأثمن أنواع القيادة.. وغيرها من الأنواع التي لا مجال لذكرها بهذا المقال. نتطرق في هذا المقال إلى أهم صفة من صفات القيادة والقائد الناجح ألا وهي صفة التواضع. ولقد أعطانا الله سبحانه وتعالى مثلًا على التواضع وأهميته في حياتنا اليومية ألا وهو الماء، حيث تكون نسبته أكثر من 70% من حجم الكرة الأرضية، ويُعد هو القائد في الأرض مع الهواء لاستمرار الحياة. ورغم أهميته ومنزلته الكبيرة في مفردات الحياة، إلا أننا لم نشاهد يوميًّا بأن الماء يرتفع إلى الأعلى أو يصعد إلى الجبال والمرتفعات، وإنما يسير على مستوى الأرض ثم ينزل إلى الأدنى من ذلك ليسقي الأرض، ولم نرَه يرتفع أو يصعد إلى المستويات العليا وهو مثال رباني علينا جميعًا والقائد خصوصًا أن يكون متواضعًا وينزل إلى مستوى الموظفين ليسمع منهم ولا يتكبر بسبب المنصب والكرسي؛ لأنها كلها زائلة وهي وقتية، ولكن تبقى الأحداث والسيرة الطيبة للقائد الذي يُمثِّل ويطبق صفة التواضع الرباني وهي الأساس في مفهوم القيادة؛ لأنها تعكس روح وجوهر التعامل الأخلاقي الراقي والأصيل للوصول إلى أعلى النتائج المرضية وتحقيق الاستراتيجية المرجوة منه. إنَّ أهمية القيادة بالتزامن مع صفة التواضع تسعى إلى نسج روح الفريق الواحد والتي تُساعد في تطوير العمل بشكل جماعي لتحقيق الغاية المرسومة. وكذلك فإنّ هناك عناصر وأركانًا للقيادة لا يمكن فصلها عن صفة التواضع ومنها: بناء العلاقات العامة، تنمية المهارات، مواكبة التطور التكنولوجي، استخدام نظريات الاستراتيجية والتكتيك، البلاغة، الشفافية، الإبداع والابتكار في اتخاذ القرار، إدارة الأزمات بهدوء الأعصاب وبُعد النظر، استخدام الخطط البديلة.. وغيرها من الأركان والعناصر المهمة للقيادة وصفة التواضع. تحث المعاهد والمدارس الدبلوماسية على صيغة التواضع لمفهوم القيادة والقائد والتعامل مع الناس بكل ليونة وابتسامة ورقَّة وإحساس وبعيدًا عن التكبر والتزمُّت بالمنصب والقرار. وأصل كلمة تواضع: مأخوذ من تواضعت الأرض، أي انخفضت عمَّا يليها، فالتواضع يدل على خفض الشيء، أمَّا التواضع عند علماء الأخلاق وعلم الاجتماع فهو لين الجانب والبُعد عن الاغترار بالنفس والخضوع للحقِّ وخفض الجناح، فالتواضع دليل على طهارة النفس وسلامة القلب من أمراض التكبّر. إنَّ أصل التواضع ومنبع مدرسته هو الدين الإسلامي الحنيف ورسولنا الكريم هو المُعلِّم الأول لهذه الصفة الرائعة بالحياة، قال الله تعالى:(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان ـ 18). إنَّ الله سبحانه وتعالى يحث البشرية في هذه الآية الكريمة على التواضع وعدم التكبر مهما كان في المنصب والمكان، وأن لا يكون مغرورًا ويرى نفسه أنه هو الأفضل والأحسن، وقال الله تعالى:(وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) (الإسراء ـ 37)، وعلى هؤلاء المتكبرين مراجعة ومحاسبة أنفسهم بماذا فعلوا في حياتهم ولماذا هذا الاستعلاء على الناس؟! كان رسولنا الكريم يجالس الفقراء والبسطاء في أزقة الطرقات ويتبادل معهم أطراف الحديث ليكون قريبًا منهم وهو سيد وخاتم الأنبياء، حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(ما تَواضع أحد لله إلَّا رفعه(، وإنَّ التواضع هو السكينة والوقار ومحبة الجميع وعدم التكبر عليهم وقد وَصف أبو سعيد الخدري (رضي الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال:(متواضعًا في غير مَذلّة). لذلك علينا نحن أن نجعل من قرآننا الكريم قدوة لنا في التواضع، ومن حياة رسولنا الكريم منهاج حياتنا اليومية، ونبدأ من عوائلنا زرع صفة التواضع مرورًا بمدارسنا وجامعتنا ودوائرنا الرسمية إلى أقل موظف، أن يكون التواضع رداءنا وفكرنا ونخدم الجميع دون استثناء؛ لأن القرآن الكريم يحثنا على ذلك وكذلك المدرسة النبوية الشريفة، ولا نتكبر على أي شخص ونبتعد عن النظرة الفوقية، ونتعامل مع الجميع بكل ليونة ورحابة صدر وتواضع كما كان رسولنا الكريم وآل بيته الكرام وأصحابه الأطياب.



د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق وأكاديمي