لم تكن البصرة مدينة عابرة في مدار الزمن، وإنما كانت وستبقى حاضرة العرب والمسلمين، وهي أول مدينة بناها المسلمون في عصر الخلافة الراشدة بأمر من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، ولها أهمية قصوى على مر التاريخ، لتكون أول مدينة يُنشئها المسلمون خارج الجزيرة العربية.
وعندما يخصص ابن البصرة الشيخ الدكتور إبراهيم الحسان محاضرته القيمة في مجلس الخميس الثقافي عن البصرة ومدارسها العلمية، فإنه يسلط الضور على تاريخ مدينة بحجم البصرة، ويتوقف عند دورها الذي ظل يحاكي هذه المكانة الكبيرة التي تتمتع بها البصرة على مر العصور.
فمجلس الخميس الثقافي الذي أطلقته هيئة علماء المسلمين في العراق منذ خمس سنوات كان رواده من نخب العراق ومفكريهم من رجال العلم والمعرفة سلطوا الضوء على تاريخ العراق وأحواله ودوره في المحيط العربي والإسلامي كرافعة عربية تصد الرياح التي تستهدف حاضر ومستقبل الأمة في مواجهة التحديات.
وتوقف الحسان في رصد مسار البصرة عند مدارسها العلمية التي كانت ضوءا ينير درب الباحثين في العلم والمعرفة، وهي منبع العلماء والأتقياء وأشهرهم أنس بن مالك والحسن البصري. كما كان مسجد البصرة القديم أول جامع شُيِّد خارج مكة والمدينة.
وبيَّن الشيخ الحسَّان أهمية مدينة البصرة من الناحية العلمية، فهي منذ تأسيسها صارت تربة صالحة لهذا الميدان، وامتازت بمدارسها العلمية في التفسير، والقراءات، والحديث، واللغة، والفقه، وغير ذلك من العلوم، لا سيَّما وأن المئات من الصحابة نزلوا فيها أو سكنوها، مشيرًا إلى أن عدد الساكنين في البصرة من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلغ أكثر من مائتين وعشرين صحابيًّا، من بينهم: أنس بن مالك، وأبو موسى الأشعري، وعمران بن حصين وعبد الله بن عبَّاس، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوَّام.
وأثر مدرسة الحديث على الحركة العلمية في البصرة كان كبيرا؛ لأنها خرَّجت العديد من التابعين وتابعي التابعين ممن رووا الحديث، من أبرزهم: الحسن البصري، وحماد بن سلمة، ومعمر بن راشد وغيرهم.
وحول مدى تأثير البصرة بمدارسها العلمية على بقية أمصار الدنيا، قال الحسان: لا تجد بلدًا من بلاد الدنيا إلا ودخلها محدِّثو البصرة وعلماؤها، مضيفًا أن مدرسة الحديث في البصرة لها أصولها وأسسها، ولعلمائها جهود خاصة في المنهجية وتتبع الأسانيد وعلم الرجال، فضلًا عن دورها الكبير في إنماء حركة التصنيف والتأليف على مدى قرون.
واستعرض الشيخ الحسان جانبًا من تاريخ مساجد البصرة وجوامعها مثل: المسجد الكبير، ومسجد بني مجاشع، ومسجد عمرو بن أخطب الأنصاري، ومسجد أنس بن مالك، ومسجد بني عباد، وغيرها، مسلطًا الضوء على الحلقات العلمية ومجالس تعليم القرآن الكريم فيها التي تضمُّها تلك المساجد منذ تمصير المدينة وريادة الصحابة فيها وحتى تأريخ قريب.
وتوقف الشيخ الحسان عند نخبة من أسماء العلماء والرواة من الرجال والنساء من روَّاد مدارس العلم في البصرة، وأثرهم في بقية المدن الأخرى كبغداد والكوفة وخراسان وغيرها؛ ومن أبرز الذين تناول الحسان ذكرهم؛ الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ـ رحمه الله ـ الذي تتلمذ على أيدي شيوخ البصرة منذ صغره، مستعرضًا جانبًا من تاريخ روايته الحديث والكم الكبير من البصريين الذين روى عنهم.
ومدينة بهذا الحجم والدور والتاريخ، فإن البصرة تستحق أن نسلط الضوء على مكانتها المشرقة التي تحولت إلى حاضرة العرب والمسلمين.



أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]