يقول الله جل جلاله: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (يوسف ـ 8).تبدأ الآية الكريمة بالظرف(إذ) المتعلق بما قبله، وهو ظرفٌ لما مضى من الزمان، يحكي هاتيكَ الحكايةَ الحاصلةَ من قبلُ، وتأتي جملة:(قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة) فهذه الجملة الفعلية مقول قولها جملة اسمية، والفعل:(قالوا) يشي بأنهم كانوا يقولونه معًا، كأنهم تفوَّهوا بالمقول في نَفَسٍ واحدٍ، وفي عقلهم توجد رؤية واحدة، وفي اعتقادهم الجمعي أنه رأي واحد قد اعتقدوه، وصار في دواخلهم جميعًا، وكأنهم صاروا رجلًا واحدًا يتكلم، والفعل:(قال) يتميَّز بأحرفه القوية، فهو عالي الصوت، جهوريُّه، فالقاف حرف تفخيم، وجاءت بعده الألف، فجعلته أعلى درجات التفخيم الذي يدل على تمكُّن الرأيِ منهم، وأنهم لا يعبَؤُون بنتائجه، فقد قالوا رأيَهم فيما رأتْهم أعينُهم، والألف في:(قالوا) جوفية، أي: أنه اعتقاد ملأهم، وملأ طواياهم، وخرج من أعماقهم؛ جراءَ المشاهدات اليومية، لمعاملة أبيهم (عليه السلام) لوليده الصغير الذي يرى حاجتَه الشديدةَ إلى نوع من المعاملة يختلف عن معاملة الكبار الذين اعتمدُوا على أنفسهم، وهم أبناءُ أمٍّ واحدة، وهم أقوياءُ عبَّر القرآن عنهم بقولهم هم أنفسهم: (ونحن عصبة)، فما دمتم عصبةً، ومتحدين، وترتبطون ببعضكم، وتخرجون معًا، وتعودون معًا، وهما محرومان ممَّا أنتم تنعمون به، فَلِمَ تنتقدون سلوك أبيكم الذي يوزِّع الوُدَّ بصورة أبويَّة عادلة، ويعطي الابنَ الصغير مزيدًا من الحنوِّ والحبِّ، وقد رآه حُرِم من طعم الأمومة، وجَوِّ الحنان، وحُرِمَ الخروجَ والمتعةَ معكم، وحُرِمَ طعم الأخوة الحانية، والحدبِ الصادقِ عليه منهم؟!، فالفعل:(قالوا) فيه صرخة عالية، واجتماعُ رأي، وعلوُّ صوتٍ، والتصريح الواضح بما في دواخلهم عمَّا رأوه من معاملة لهذا الأخ الذي سِنُّه الصغيرة هو وأخوه تُوجِبُ مزيدًا من الرعاية، وظرف وفاة أمِّهما يضاعف من هذا المزيد، ثم إنه ـ أي سيدنا يوسف (عليه السلام) ـ يتمتع بجمال فريد، حيث أوتي شطرَ الجمال (عليه السلام)، فربما زِيدَ عليه في الحسد، أو الضجر من هذا الجانب أيضًا، فتجمَّعت عليه أسبابٌ جعلت أباه (عليه السلام) يُولِيهِ مزيدًا من العناية، وشيئًا من الرعاية تعوِّضه قليلًا عمَّا فقده، وجمع الفاعل:(واو الجماعة) في: (قالوا) يَشِي بالضيق الذي عليه الأبناء، والذي جمعَهم، فصرحُوا بما في طواياهم، ولم يستطيعوا كتمَه، ولا السكوت عليه، فما الذي قالوه؟ قالوا:(ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا)، فهذه جملة اسمية مؤكَّدة بلام الابتداء، واستعملوا أسلوب التفضيل(أَحَبُّ)، والجملة الاسمية تحمل معنى الثبات، والدوام، والاستمرارية، فقد رأوا والدهم يحبُّ أخاهم الصغير (يوسف) حبًّا فاق حبهم، مع أنهم أولاده، وهم كُثيرون، من أمٍّ أخرى هي خالتهم أختُ أمِّهم التي تُوُفِّيَتْ بعد إنجاب يوسف، وأخيه وبنيامين، فهما من أم، وهم جميعًا من أمٍّ أخرى، وإن كانت أختَها، أو هي خالتهم، والخالة في حكم الأم: حنانًا، وحدبًا، وحبًّا، وعطاءً، وودًّا. د.جمال عبدالعزيز أحمد كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية[email protected]