حوار ـ خميس السلطي :** عندما نقترب بشغف المتأمل لأي لوحة فنية تشكيلية، نحاول أن نوجد لذواتنا مكانا مهما بين ألوانها المتناغمة، حيث الحكايات اللامنتهية والحقائق ذات البعد الإنساني الفكري، ومن منطلقات أوجه هذا الاقتراب، تدعوك اللحظات أيضا أن تكون أكثر قربا ممن أوجد هذه اللوحة الفنية بريشته، بفكره، وبحسه الفني وذوقه الرفيع، لتكون أكثر حضورا معه تتجاذب أطراف الحديث معه بكل يسر وشفافية، من خلال هذا الحوار تشكلت لدينا رحلة فنية مع الفنان المجيد سعيد العلوي .. لنكتشف الحديث القادم ** .. * التوقف حيث نقطة الانتهاء مع المبدع سمة توحي لنا بأخذ تفاصيل أكثر، حيث تمثل في الجانب الآخر تواصلنا معه ومع المتلقي ومعرفة كل ما هو جديد لديه، وقد اختتمت مؤخرا فعاليات المعرض الوطني التشكيلي "ألوان في السماء" وكنت أحد المشاركين في هذا المعرض، لنتعرف سويا على هذه المشاركة، ومدى أهميتها كتجربة فنية لك، مع الاستفادة من خلال هذا الحضور خاصة وإنك تعرفت على التجربة الفنية الماليزية، فكيف رأيتها؟** الحمد لله كان لي شرف المشاركة في هذا المشروع الوطني الفريد في فكرته والذي تبنته جمعية الفنون التشكيلية بالتعاون مع الطيران العماني، والذي يهدف الى تعريف العالم بالفن التشكيلي العماني وما وصل اليه من مستوى عالمي واحتفاء بمرور 20 عاما على انشاء جمعية الفنون التشكيلية وتكريما للفنان التشكيلي العماني وتسليط الضوء عليه بشكل اكبر لأوسع شريحة سواء على المستوى المحلي او العالمي حيث تم تحديد عدة وجهات عالمية يحط فيها 43 فنانا وهي (كوالالمبور – لندن – زيورخ - برلين – ميلان – لندن – باريس – بانكوك ) ولقد كنت اول المسافرين بهذا المشروع وقد دشنت الجمعية معرضا دائما في احدى قاعات المطار بالسوق الحرة ليستمر على مدار عام كامل يعرض اعمال الفنانين العمانيين للمسافرين، بالاضافة الى توزيع بطاقات (مثل بطاقات المعايدة) ، تحمل اعمال الفنانين ونبذة تعريفية عن كل فنان، والاسلوب الذي يميزه ، وكذلك تم عمل فيلم عن الفنانين يعرض في شاشات الطائرات لاسطول الطيران العماني بشكل تلقائي ليشاهده كل مسافر اثناء رحلة الطيران ، وهذا بحد ذاته تعريف للفنان وترويج للسلطنة من الناحية الثقافية والسياحية وذلك من خلال مشاهدتهم لاعمال الفنانين المتنوعة ما بين الكلاسيكي الواقعي والتجريدي والرمزي، والذي يحمل صبغة عمانية فريدة فيما تتميز به من ارث حضاري وتقاليد عريقة تناولها الفنانين في اعمالهم الفنية . وتكمن أهميتها كتجربة فنية لي بانها فريدة الطرح على مستوى العالم من ناحية الفكرة والهدف فهي تمحورت على اظهار الفنان التشكيلي العماني للمحفل العالمي وترويج سياحي للسلطنة فالتجربة لها ابعاد ثقافية وسياحية وتكريم الفنان التشكيلي على الجهد الذي يبذله في ابراز الثقافة التي تحملها السلطنة وهي هوية متميزة ومتفردة وتسلط الضوء على الفكر التي يتمتع به ابناؤها والأهمية التى حظيت بها شخصيا كتجربة كوني احد الفنانين الذين شاركوا في هذا المشروع.واما فما يتعلق بإطلاعي على التجربة الفنية الماليزية، اولا التجربة الماليزية مختلفة نوعا ما عن بعض التجارب الفنية التي شاهدتها لدول اخرى ويكمن الاختلاف في التجربة الفنية الماليزية بأنها تضم ثلاث ثقافات مختلفة في بلد واحد، حيث الثقافة الصينية والهندية والملاوية، وهي النسيج الذي يتكون منه المجتمع الماليزي حيث تظهر المعتقدات والتقاليد المختلفة لكل ثقافة، فتجد الطقوس التي يمارسها وتعتنقها كل فئة ألقت بظلالها على الطرح الفني الذي يمارسه الفنانون بماليزيا لذا اختلفت الاتجاهات والأساليب في المشهد الفني الماليزي وهذا الاختلاف في الثقافات خلق نوعا من التنوع وقد شدني في أحد المعارض اهتمامهم بالخط العربي.المشهد العماني* لندخل حيث المشهد الفني التشكيلي العماني وحيثياته المتعددة، لو حاولنا التقرب من هذا المشهد كونك أحد المنتمين إليه كيف تصفه لنا؟ في تصورك الشخصي ماذا يريد الفنان التشكيلي العماني كي يصبح أكثر حضورا مع المتلقي؟ وماذا تقول عن الذائقة الفنية لدى المتلقي في السلطنة؟** المشهد الفني التشكيلي العماني مر بمراحل مختلفة، المرحلة الاولى تتمثل بظهور الفن التشكيلي من جنبات الاندية الرياضية الثقافية في فترة الثمانينات حيث كانت الاندية تحتضن هذا النشاط من ضمن انشطتها الثقافية والاجتماعية والتي خصص لها مسابقات سنوية على مستوى السلطنة تشرف عليها وزارة التربية والشباب سابقا وبعد ذلك الهيئة العامة للانشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية، حيث يتم تجميع الفنانيين على مستوى المناطق اولا ومن ثم السلطنة، بعد ذلك ظهرت مراسم الشباب التي تشرف عليها الهيئة لاحتضان المواهب الفنية في بعض المناطق ليتم الاعلان عن المسابقات السنوية بين الفنانين بطريقة مقننة حسب شروط تحدد المجالات المختلفة التي يشارك بها الفنان، وكانت هذه بداية التوجه الصحيح لظهور الفن التشكيلي بشكل صحيح ومنظم حيث تم الاستعانة بالخبرات من الدول العربية وخاصة جمهورية مصر العربية في تعليم الفنانين اعضاء المرسم الاساليب المختلفة في الرسم ولعل ابرز المراسم التي كانت اكثر بروزا وتأثيرا على الحركة التشكيلية العمانية مرسم الشباب بمسقط ، حيث كان المشهد الفني العماني بدأ يتبلور بالظهور من خلال مشاركة الفنانين الاوائل العصاميين (الذين علموا انفسهم ) في المشاركات الخارجية واحرازهم الجوائز ولعل ابرزها في الثمانينات حصول الفنان لال بخش على المركز الثاني في بينالي القاهرة، وتوالت المشاركات واقامة المعارض الجماعية والفردية والتي كان لها اثر في تطور المشهد التشكيلي العماني، لتأتي الجمعية العمانية للفنون التشكيلية التي اخذت على عاتقها النهوض بالعمل الفني التشكيلي في السلطنة وذلك من خلال اسهامها في تطوير الكثير من المواهب من خلال اقامة الحلقات الفنية والمعارض السنوية والجماعية والفردية والمشاركة في المهرجانات والاحتفالات بالسلطنة والمشاركات في البيناليات العالمية ، واستقطاب الفنانين العالميين الكبار لاقامة حلقات العمل التدريبية للفنانين ، وعرض تجاربهم، ليستفيد منها الفنانيون العمانيون وكذلك استضافة المعارض الشخصية والجماعية من الدول المختلفة ، وكل هذا اثرى الساحة التشكيلية العمانية لتتبوأ مكانة مرموقة بين دول سبقتها بسنوات وتتخطاها. خصوصية الفن* كي نكون أكثر صدقا، الفن التشكيلي عامة ليس بذلك الفن الذي من الممكن أن يكون في متناول الجميع، وهنا أقصد الإشتغال عليه، فهو علم قائم بذاته، لو حاولنا التعرف أكثر؟ ** صحيح ان الفن ليس من الممكن ان يكون في متناول الجميع، اي بمعنى كل شخص لا يمكن ان يكون فنانا تشكيليا، حيث يجب ان تتوافر لدى الفنان مقومات تميزه عن الآخرين، ليصبح فنانا تشكيليا واولها الموهبة والاستعداد لتطوير قدراته والخيال الخصب في تناوله للاشياء، اي التقاطه للعناصر وتطويعها في اطار محدد بمنظور ينم على قدرته على ترجمة ما يشاهده بكل سهولة على سطح اللوحة البيضاء لتتحول الى عمل فني فريد ، لذا نجد ان الفنان يختلف في نظرته للاشياء عن الانسان العادي سواء في زاوية الرؤية والتأثر من المشهد الذي قد يثير فضوله ويحركه لبلورة تلك المشاعر وترجمتها للوحة وكل هذا يتطلب قدرات غير عادية في نظرى لنسج هذا المشهد الذي كونه الفنان في لوحته فمرحلة ولادة اللوحة تمر بمراحل عديدة من التاثر بما حولك والتقاط تلك الصور وتخزينها في العقل لتبدأ عملية تكوين الفكرة واختمارها بعد ذلك وتطويع الاداة في ترجمة هذه الفكرة من العقل الى اليد لتستقر على اللوحة مانحة المشاهد رؤية جديدة لم يتعود على رؤيتها وهذه هي الصفات التي تميز الفنان التشكيلي * إذن ما هي العوامل المتنوعة التي من الممكن أن تفرز فنانا تشكيليا محترفا إن صح التعبير؟ ** هناك عدة عوامل والتي قد تفرز فنانا تشكيليا محترفا باعتقادي وهي بأن العمل المستمر بالمجال الفني مع القراءة والاطلاع على جميع المدارس والتجارب الفنية المختلفة للفن التشكيلي ، والدراسة الاكاديمية المتخصصة او الدخول في دورات تخصصية تعزز مواهب الفنان ليصبح اكثر تمكنا في المجال الفني والمشاركة مع ذوي الخبرة والاحتكاك بهم تزيد من ثقافة الفنان وبهذا ينعكس ايجابيا على ادائه الفني ليصبح اكثر احترافية.* وفي تصورك الشخصي ما مدى تأثير البيئة في صنع فنان تشكيلي محترف؟ ** للبيئة دور كبير في صنع فنان تشكيلي اولا اذا وجد الفنان من يشجعه ويأخذ بيده في بداية مسيرته فهو بذلك وجد البيئة الحاضنة والمشجعة على الاستمرار والابداع، وهذه تنطلق من العائلة ومن ثم المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم مدى توفر الامكانات الداعمة لهذا الفنان، من حلقات عمل ومعارض وتسويق واعلام ، فهو الآخر مهم في تسليط الضوء على هذه الابداعات لتأخذ حظها من الدعم والتشجيع وبذلك ينتقل الفنان من المرحلة المحلية الى العالمية بإشراكه في البيناليات وتقوم بعض الدول بوضع بعض الفنانين تحت متابعة وتوجيه مشرف متخصص لتهيئتهم للمشاركة على مستوى العالم وبهذا يمكن صناعة فنان محترف.مزادات باذخة* كثيرا ما نسمع عن المزادات الفنية التشكيلية العالمية التي قد تشكل صدمة كبيرة للمتلقي حيث عشرات الملايين التي تصرف من أجل لوحة واحدة لفنان ما، في تصورك الفني، ما هي الملامح التي تجعل لوحة فنية تصل إلى هذا الحد من البذخ المعنوي والمادي أيضا ؟ ألا يكون هذا البذخ حلما واضحا للفنان والفن التشكيلي العماني؟ ** على حسب معرفتي البسيطة اظن بأن قدم الاعمال الفنية وقيمتها الفنية والفنان وشهرته تحدد قيمة اللوحة، لذا تجد بان الاعمال الفنية القديمة لفنانين مشهورين مثل فان جوخ وماتيوس وبيكاسو لها قيمة عالية جدا واصبحت من ممتلكات الدول مع العلم بان فان جوخ مات فقيرا معدما ولم يبع اي لوحة سوى لوحة واحدة اشتراها منه صديقه مجاملة كما ذكر في بعض المقالات لذا لم يكن هناك في حياته قيمة تذكر ، اما الان فقد اختلفت بعض المعايير في تقييم الاعمال الفنية مثل مكانة الفنان ومدى تطور اعماله ومدى اقتناء المتاحف لبعض اعماله او شراء المهتمين لاعماله ومدى جديته في الانتاج الفني ومدى تاثيره الفني وتناول اعماله بالدراسة من قبل الاختصاصيين في مجال الفنون، كل هذه الامور تحدد قيمة اللوحة ، حقيقة نحتاج الى تسويق خارجي لاعمال الفنانين المتميزين وتسليط الضوء على الفن بشكل اكبر فمثلا بعض الدول الخليجية اصدرت كتبا لمجموعة من الفنانين تناولت سيرتهم الذاتية وهذا عزز انتشارهم وارتفاع اسعار اعمالهم.سيرة ذاتية* سيرتك الذاتية الفنية مليئة بالمشاركات والمعارض الفنية المحلية والدولية، ما هي المحصلة التي خرجت بها من هذه المشاركات؟ ** المشاركات في المعارض المختلفة لها دور كبير في تعزيز ثقافة الفنان البصرية والمعرفية في مجال الفن التشكيلي وذلك من خلال الاطلاع على التجارب التي يطرحها الفنانيون والمدارس التي ينتمون اليها واختلاف الثقافات والافكار المختلفة كل ذلك يوسع مدارك الفنان وينمى ذائقته الفنية من هذه المشاركات والمعارض الفنية وهذا التنوع يصب في مصلحة الفنان حيث يصبح لديه ثراء معرفي يتبلور في ممارساته الفنية وطريقة تعاطيه مع المواضيع او الاحداث التي قد يستفيد منها عند شروعه في العمل الفني* إذن كيف لها أن تضيف فعلا إلى تاريخ الفنان التشكيلي؟ ** ان هذه المشاركات تعتبر رصيدا في مسيرة الفنان فهي محطات توثق له مرحلة مهمة من حياته لذا فكل مشاركة سواء محلية او اقليمية أو عالمية لها قيمتها التوثيقية في تاريخ الفنان التشكيلي واشبهها باللاعب الذي يجب ان يحترف وأن تكون سيرته زاخرة بالمشاركات المحلية والدولية فعلى هذا الاساس ينبني تاريخ الفنان التشكيلي فبدون هذه المشاركات والفعاليات يبقى الفنان هاويا لانه لم يكتب في سيرته الذاتية اي تواجد محلي او قاري .* وكيف للتجربة المتراكمة في حياة الفنان التشكيلي أن تنتج تجربة فنية مميزة ؟ ** لا تأتي التجربة ما لم تعمل فكل عمل هو تجربة فالاستمرار في المشاركات بالمعارض وحلقات العمل الفنية والفعاليات المختلفة تعتبر تجارب للفنان لذا تترسخ لديه الكثير من المفاهيم والمعارف في عمله الفني وبهذا تجده اي الفنان ينتقل من مرحلة الى اخرى من التجارب الفنية فكل تجربة بحد ذاتها مدرسة يتعلم منها الفنان سواء في طريقة الطرح او الاسلوب والتي تشكل في النهاية اسلوبا خاصا به يميزه عن الاخرين وهذا كله نتاج تراكم الكثير من الخبرات التي مر بها الفنان فدائما تعدد الخبرات يعطي نضوجا في نهاية الامر لتجربته الفنية. تكريم الفن* التكريم طموح كل مبدع، أيا كان توجه إبداعه، وبكل تأكيد لك نصيب وافر من هذا التكريم في مسيرتك الفنية ومنذ النشأة الأولى لها، دعنا نتعرف على هذه الإضافة في مسيرتك؟** نعم التكريم مهم جدا في حياة كل مبدع فهو نوع من التتويج للفكر الذي يقدمه، لذا يكون التكريم له مذاق خاص لعمل انت موقن بأنك قمت به بكل جوارحك ، فالتكريم الذي يأتي نتيجة تقدير لما قدمته من جهد من اجل تقديم فكر يستفيد منه الآخرون سواء ثقافيا او فنيا يتميز بطرح راق بعيدا عن الاسفاف ويتعلق بمكنونات ضمن ضوابط لا تتجاوز التقاليد والعادات او تخدش اطرنا التي ألفها مجتمعنا وان قدمنا عملا ابداعيا ، فلهذا اعتبر التكريم شيئا مهما في مسيرة اي فنان ولعل من اهم جوائز التكريم، تكريمي على مستوى السلطنة من مكتب جلالة السلطان قابوس كمتميز في مجال الفنون التشكيلية بعام الشباب 1993م وتكريمي من قبل جمعية الفنون التشكيلة (ديوان البلاط السلطاني) كأحد الفنانين الرواد 2010م. وتكريمي أيضا في حفل مشروع المعرض الطائر( الوان في السماء ) وهناك الكثير من محطات التكريم ولكن هذه اهم محطات التكريم التي احببت ذكرها.حكايات ولوحات* لوحاتك الفنية ومن خلال المتابعة لها تحاول أن تكون أكثر قربا من الواقعية، كما أن التفاصيل اليومية تكاد أن تسيطر على مجرياتها ، فأنت ترسم حكايات السفن، وأغنيات البحر، والاشياء التراثية والحلي، إضافة إلى أصوات طفولية عذبة، دعنا نكون أكثر قربا من هذه الواقعية؟ ترى ما هي مساحة السريالية والتجريدية في لوحاتك؟ هل جربت الإغراق في حيثياتها؟** دائما ما يقال بأن الفنان ابن بيئته لذا تجد بأن الفنان يتأثر بما حوله من مكونات البيئة التي يعيش فيها، من عادات وتقاليد وطقوس يمارسها ابناء بلده وممارسات يومية او موسمية، يقومون بها وبكل هذه الاشياء التي تحيط به ويبدأ الفنان ترجمتها في لوحاته ليعكس تأثره ويسجلها بنظرته الفنية، ومن خلال هذه البيئة تجد بأن هناك الوانا تميزه تكون قريبة جدا لطبيعة المنطقة التي يعيش فيها لانه اثرت عليه بصريا وتشبع بها داخليا، لذا تجد للون الازرق سطوة والالوان المشرقة حظورا لافتا في اعمالي، وقد بدأت بالمدرسة الواقعية وقد سجلت فيها البحر والانسان والاهازيج البحرية وغيرها والالعاب الشعبية التي يمارسها الاطفال وملابسهم المميزة في المناسبات كالاعياد وهذا بحد ذاته خصوصية لي، لأن تلك المشاهد التي سجلتها اختصت ببيئة ولاية صور، فالمعروف بأن عمان بها ثراء تراثي وتنوع وخصوصية لكل منطقة تميزها عن الاخرى، بعد هذه المرحلة الواقعية جربت عدة مدارس فنية كالتكعيبية والسريالية والتجريدية والرمزية، لذا بعد عدة تجارب متنقلا ما بين هذه المدارس الفنية احسست بان التجريدية والرمزية اكثر قربا لي في اعمالي الفنية مع الاحتفاظ بهويتي العمانية بأعمالي، وبعد استقراري في اسلوب يميزني وهو ان تجد في اعمالي نوعا من الحركة او الايحاء الحركي للعناصر بشكل دوران للخطوط المرسومة وهي حركة رمزية لاستمرار الحركة في الحياة، وان كل شيء لابد ان ينتقل من مرحلة الى اخرى ولا يقف عند مرحلة معينة فمثلا الزمن كفيل بتغيير ملامح اي مكان والمجتمع يطرأ عليه التغير فديمومة الشيء غير موجودة في حياتنا ، ولكي تتضح الصورة بشكل اقرب من خلال احدى اللوحات وهي (التأمل) والتي تشمل عناصرها على رجل كبير السن ينظر بتأمل وكانه يستحضر السنين التي عاشها في تلك اللحظة ، وخلفه بشكل خافت بيوت قديمة ومزرعة وكأنه يتذكر تلك السنين التى عاشها في شبابه وكيف آلت الآن ، وفي اللوحة الثانية (رقصة الليوه) تجد الاشخاص كانهم يتحركون بشكل دائري غير عابئين بمن حولهم يعيشون نشوة النغم في هذا المحيط الدائري الذي هم فيه ، فهذه الطريقة من الرسم اتخذته اسلوبا يميزني عن الآخرين. القراءات النقدية* في السلطنة تحديدا كثيرا ما نفتقر إلى قراءة التجربة الفنية وتمحيصها من خلال إصدار أدبي فكري مدهش، أو حتى جلسة فنية تشكيلية متخصصة، فالنقد قد يبدو مغيبا إن صح القول، وهذا سبب مباشر في عدم إيجاد مراجع مهمة في الفن العماني التشكيلي، أين تكمن المشكلة في هذا الجانب؟ إلى من تعود مسؤولية إيجاد قراءات فنية نقدية متفحصة في الفن التشكيلي العماني؟** دعنا اولا لنتعرف على واقع الفنانين التشكيليين حيث ان اغلب الفنانين الذين في الساحة الفنية لم يدرسوا الفن التشكيلي، اي بمعني لم يلتحقوا بدراسة تخصصية في الفنون التشكيلية الا القليل لا يتعدون اصابع اليد وان كان بعض المعلمين درسوا الفنون التشكيلية لكن ليس ليصبحوا فنانين، فهم تخرجوا ليصبحوا معلمي فنون تشكيلية، وهناك فرق كبير بين ان يتخرج من كلية فنون تخصصية ومن كلية تربية تعد معلمين، فالأسباب من وجهة نظري الشخصية تكمن في عدم وجود متخصصين في النقد الفني او كليات فنون جميلة متخصصة بالسلطنة، وهذه مرحلة لم نصل اليها بعد، عدم قيام الجهات المشرفة على الفنون بالتعاون مع نقاد الفن وذلك من خلال التطرق لتجارب الفنانين العمانيين بالنقد والتحليل وفي سياق هذا الحديث اتذكر قيام د.فخرية اليحيائية أستاذ مساعد بقسم التربية الفنية بجامعة السلطان قابوس، ود. محمد العامري أستاذ مساعد بقسم المناهج وطرق التدريس بجامعة السلطان قابوس بتأليف كتاب (الفن التشكيلي في عمان)، عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وهو كتاب نقدي تناول 40 فنانا ولكن لم اطلع عليه ولكن عرفت من خلال تواصلي مع الباحثين أن الكتاب غير متداول، وكنت أتمنى أن يتم عرضه من خلال حضور الفنانين التشكيليين في لقاء بجمعية الفنون كمبادرة من الباحثين ، فالنقد المبني على اسس صحيحة وسليمة سيطور الفن وسيكون هناك حرص من الفنان في تقديم اعماله الفنية ، لذا نحن بحاجة ماسة الى النقد الفني.بدايات مدهشة* قبل أن نختم رحلتنا هذه معك، نعود إلى أول لوحة فنية متحققة في مسيرتك الفنية، لنتعرف عليها؟ بعتها؟ أهديتها؟ ماذا تشكل لك هذه اللوحة الفنية؟* بصراحة هناك صعوبة في تحديد اول لوحة متحققة في مسيرتي الفنية ولكن اذكر لوحتين في معرض في الثمانينات بفندق الانتركونتننتال (طفولة – شباك ) الأولى عبارة عن طفلة تلبس ملابس تقليدية عبارة عن دشداشة ودسمال تجلس بالقرب من الفلج وفي يدها هاندو تغرف ماء ، اما اللوحة الثانية فهي عبارة عن شباك خشبي قديم وقد تم شراؤهما من خلال هذا المعرض ، فالأقرب لقلبي من اللوحات والتي انجزتها ولم أبعها فهي لابني عبدالعزيز وهو بعمر عام واحد حيث يقف أمام باب خشبي وكأنه يخطو خطوته الأولى لخارج البيت.رسالة فنية* ترى ما هي الرسالة الفنية التي أردت أن توصلها من مجمل لوحاتك المتنوعة؟ وهل من جديد مقبل في واقعك الفني التشكيلي؟ ** رسالتي هي تمسكي بالمفردات التراثية التي ارسمها في لوحاتي، وهي تمثل هويتي المميزة عن الآخرين واعتزازي بما ورثناه ونتميز به كعمانيين، وان هذه المفردات يمكن توظيفها بطريقة ابداعية تواكب التطور الفني والمنافسة العالمية لتفرد هذا الطرح، فالوصول للعالمية من المحلية ، حيث انني لا احب ان اكون نسخة مكررة لفنانين اوروبيين على سبيل المثال بتقليدهم الرسم التجريدي غير المفهوم او الفن العبثي، فانا اعتبرها "مافيا" فنية تروج لها وسائل اعلامية تهدف الى طمس الهوية والخصوصية الشرقية التي نتميز بها، واستدل بذلك بحوار تم مع ناقدة فنية من ايطاليا قامت بزيارة احدى البيناليات المقامة في القاهرة فسألها احد الصحفيين حول البينالي فقالت جئت ابحث عن الشرق فلم اجده !!، اما الجديد في واقعي الفني هو السعي لإقامة معرض شخصي ان توفرت الظروف بإذن الله وتوفيقه والتخطيط لإيجاد او انشاء مكان خاص ليكون مرسما يرتاده المهتمون بولاية صور.