ينطلق النقاد الجماليون من فلسفة مفادها أن “الجمال” هو غاية أهداف الوجود، نظرًا لأن كل شيء في الكون يصبو إلى الجمال، واعيًا أم غير واعٍ. لذا، يقول هؤلاء بأن الجمال إنما هو مبرر كافٍ لوجود الأشياء، أما وظائف هذه الأشياء والكينونات الأخرى، فهي وظائف وأغراض فريدة، مقحمة ومفروضة من الخارج على النص الأدبي.
هذا هو ما ذهب إليه أتباع المدرسة الجمالية من الأدباء والمؤلفين والفنانين عبر بذل جهودهم، ليس في سبيل خدمة أهداف أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية، ولكن في سبيل التيقن من أن مؤلفاتهم ونصوصهم لا تخدم هدفًا خارج هدف خدمتها أعمالًا أو نصوصًا فنية “جميلة”، كما هي حال كافة الكينونات الجميلة في الكون مثل الورود والجبال والأنهر والغيوم، فهي جميعًا تخدم أغراضًا جمالية وتشبع رغبات وغرائز بشرية أدنى أهمية من كافة الاعتبارات الأخرى: فالجمال، بحدِّ ذاته، يكفي مبررًا لوجود تلك الكينونات، وليس من الضروري فرض وظائف ورسائل من خارج حدود الهدف الجمالي كي يكون النص الأدبي مقبولًا أو رائجًا!
والحق، فإن الكتَّاب الجماليين حرصوا كل الحرص على تأليف قصص أو قصائد أو مسرحيات خيالية، شريطة أن تكون خالية من أية دلالات أخلاقية أو اجتماعية أو نفسية؛ لأنهم آمنوا بأن الجمال كافٍ لتبرير وجودها، كما هو عليه حال الوردة التي يكفي جمالها مبررًا لزراعتها ولوجودها وسقيها والعناية بها: فهل تحتاج الوردة الحمراء الجميلة لمبرر إضافي من أجل زراعتها ووجودها في حدائقنا؟ وأبرز أتباع المدرسة الجمالية كان الكاتب العبقري أوسكار وايلد، ذلك العملاق الفني الذي أبدع رواية (صورة دوريان جراي) The Picture of Dorian Gray، ومسرحية (أهمية أن تكون جادًّا) The Importance of being Earnest، وينبغي أن لا تفوتنا الإشارة إلى أن مدرسة “الفن للفن” Art for Art Sake، إنما هي أقوى تعبير عن روح الأدب والنقد الجمالي.

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي