بحلول ساعة كتابة هذا المقال أكون قد أكملت 19,960 كيلومتر مشيًا في جبال ظفار أو في المماشي السهلية.بدأت رياضة (الهايكنج) في عام 2011، بدأتها بالمشي في ممشى مطار صلالة القديم كل صباح بعد صلاة الفجر وفي إجازات نهاية الأسبوع كنت أمارس رياضة المشي الجبلي (الهايكنج)، ومنذ ذلك الوقت صار (الهايكنج) هواية أمارسها بانتظام، وعندما طلب مني يوم أمس إلقاء محاضرة في جامعة ظفار بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، اخترت أن يكون موضوع محاضرتي عن (الهايكنج) كوسيلة لتعزيز الصحة النفسية.لقد قرأت كثيرًا عن رياضة (الهايكنج)، وصرت أتبناها كنظام حياة، أمشي بمفردي وأمشي مع الأقارب والأصدقاء، ثم تعرفت على زميلي وصديقي الدكتور سعيد علي تبوك، صرنا نمشي كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر.نختار معلمًا من معالم الجبل كالعيون المائية أو الكهوف أو الوديان وننطلق بعد أن نوقف سياراتنا، نضع حقائبنا على ظهورنا وفيها ما نحتاج إليه من ماء ومؤونة، يحركنا شغف السير في الطبيعة.مستهل صباحنا بصوت الطبيعة الجميلة كزقزقة الطيور وحفيف الأشجار وصوت الريح وهمس النسيم، نتذوق متعة الرياضة وتستريح نفوسنا كثيرًا وننفصل عن المشاغل ونبتعد عن الخلافات والخصومات ونتحرر من ضغوط الحياة، نشعر بالراحة والسكينة والسلام، وتنتابنا موجات من النشاط البدني والعقلي وتنشط طاقاتنا الروحية ونشعر بالخشوع ونحن نفترش الأرض للاستراحة أحيانًا وأحيانًا للصلاة وفي بعض الأحيان نتأمل ونلتقط الصور الجميلة، نشعر بأننا نملك الدنيا وأننا لا نريد أكثر مما نحن فيه.نعيش متعة حقيقية لا يمكن أن نصفها بالمفردات ولا بعدسات هواتفنا ولا حتى بريشة الفنانين، نلتحم مع الطبيعة، بكل مفرداتها، بجبالها وصخورها وأشجارها، بسمائها ونجومها وكواكبها، وهوائها.نشعل النار في الحطب اليابس، ونتحلق حول النار نتدفأ ونشرب الشاي وفي بعض الأحيان نغلي الحليب بالحجر الساخن فيجعل مذاقه لذيذًا، وعلى وهج الجمر وضوء القمر والنجوم وعلى نسمات الهواء العليل نروي السوالف والقصص والحكم، ثم نخلد إلى النوم مبكرين لنستيقظ عند أذان الفجر فنصلي جماعة ونقرأ أذكار الصباح ثم نطوي خيامنا مبكرًا، وننطلق في مسارات جديدة، نكتشف ونستمتع ونزيل المخلفات ونبعد الصخور والأذى عن الطرق التي نسلكها، تمضي الساعات ونتجاوز مسافات طويلة أحيانًا وأحيانًا لا تكون المسافات التي نقطعها طويلة ولكنها نوعية بما تحفل به من مشاهد، ومع استمرارنا في المشي نزداد لياقة تساعدنا على السير لمسافات طويلة في المشوار الواحد تتجاوز أحيانًا الـ(30) كيلومترًا وفي بعض الأحيان بلغت 60 كيلومترًا من صلالة إلى مرباط بدون توقف باستثناء أوقات الصلاة والاستراحة.صار المشي في الطبيعة جزءًا من نظام حياتي، وتحسنت صحتي كثيرًا، وزادت قدرتي على العمل وعلى الكتابة.لا أجد بين من يمارسون (الهايكنج) من يعاني من أمراض عضوية أو نفسية، فقد أظهرت الدراسات أن (الهايكنج) يعالج مشاكل مرض السكر والكولسترول والضغط وغيرها، ولكنني أجدها تتجاوز الأمراض لتعزز الحياة بكل مجالاتها، بما فيها الصحة النفسية والتحفيز على العمل والمثابرة والتخلص من أسباب التسويف والكسل والخمول.ومن الفوائد التي نجنيها من رياضة (الهايكنج) هو التعرف على الطبيعة الساحرة لوطننا الحبيب، فكل نهاية أسبوع نكتشف مكانًا جديدًا للسير الطويل، وفي كل رحلة نضع دائمًا خيارات المشي الجبلي من بين أهم أولوياتنا، بحيث نحدد مسارًا جديدًا لنضيفه على أطلس (الهايكنج). * د ـ أحمد بن علي المعشني رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية